غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَأَنۡ أَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّقُوهُۚ وَهُوَ ٱلَّذِيٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ} (72)

61

ثم رد على عبدة الأصنام بقوله { قل أندعوا من دون الله } النافع الضار { ما لا ينفعنا ولا يضرنا } أي لا يقدر على النفع والضر { ونرد } داخل في الاستفهام أي أنرجع إلى الشرك بعد إذ أنقذنا الله تعالى منه وهدانا للإسلام ، فإن الردة عود إلى الحالة الأولى التي كان الإنسان عليها من الجهل كقوله { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً } [ النحل : 78 ] { كالذي استهوته } محله النصب على الحال من الضمير في { نرد } أي أننكص على العقبين مشبهين من استهوته وهو استفعال من هوى في الأرض إذا ذهب فيها كأن معناه طلبت هويه أي سقوطه من الموضع العالي إلى الوهدة العميقة كقوله : { ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء } [ الحج : 31 ] وقيل : اشتقاقه من اتباع الهوى و{ حيران } حال أخرى لكن من الضمير في { استهوته } وكذا الجملة بعده . ومعنى الحيرة التردد في الأمر بحيث لا يهتدي إلى مخرجه منه . ومنه تحيرت الروضة بالماء إذا امتلأت فتردد فيها الماء . { له } أي لهذا المستهوي { أصحاب } رفقة { يدعونه إلى الهدى } أي إن يهدوه الطريق المستوي فيكون مصدراً . وسمي الطريق المستقيم بالهدى يقولون له { ائتنا } أو الدعاء في معنى القول وهذا بناء على ما تزعمه العرب وتعتقده من أن الجن والغيلان تستهوي الإنسان وتستولي عليه ، فشبه به الضال عن طريق الإسلام التابع لخطوات الشيطان ، والمسلمون يدعونه إلى الحق وقد اعتسف المهمة تابعاً للجن غير ملتفت إليهم . وقيل : إن لذلك الكافر أصحاباً يدعونه إلى ذلك الضلال ويسمونه بأنه هو الهدى . وروي أن الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق فإنه كان يدعو أباه إلى عبادة الأوثان { قل إن هدى الله } وهو الإسلام { هو } الذي يحق أن يسمى هدى وما وراءه غي وضلال { وأمرنا لنسلم لرب العالمين وأن أقيموا } قال الزجاج : لا بد من تأويل ليستقيم العطف فالتقدير : وأمرنا لنسلم ولنقيم ، أو أمرنا أن أسلموا وأن أقيموا : قيل : والسر في العدول عن الظاهر أن المكلف كالغائب ما لم يسلم فإذا أسلم صار كالحاضر . وتقرير الآية أن متعلق الأمر إما أن يكون من باب الأفعال أو من باب التروك . والأول إما أن يكون من أفعال القلوب أو من أفعال الجوارح ، ورئيس أفعال القلوب الإيمان بالله والإسلام وهو قوله { لنسلم } ورئيس أعمال الجوارح الصلاة وهو قوله { وأن أقيموا } ثم أشار إلى جوامع التروك بقوله { واتقوه } ثم قال { وهو الذي إليه تحشرون } ليعلم أن منافع هذه الأعمال إنما تظهر في يوم الحشر .

/خ73