البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَصَبَّ عَلَيۡهِمۡ رَبُّكَ سَوۡطَ عَذَابٍ} (13)

السوط : آلة للضرب معروفة . قال بعض اللغويين : وهو مصدر من ساط يسوط إذا اختلط . وقال الليث : ساطه إذا خلطه بالسوط ، ومنه قول الشاعر :

أحارث أنا لو تساط دماؤنا *** تزايلن حتى لا يمس دم دما

وقال أبو زيد : يقال أموالهم سويطة بينهم : أي مختلطة اللم الجمع واللف . قال أبو عبيدة : لممت ما على الخوان ، إذا أكلت جميع ما عليه بأسره . وقال الحطيئة :

إذا كان لما يتبع الذم ربه -   -فلا قدس الرحمن تلك الطواحنا

ومنه : لممت الشعث ، قال النابغة :

ولست بمستبق أخاً لا تلمه *** على شعث أي الرجال المهذب

{ فصب عليهم ربك سوط عذاب } : أبهم هنا وأوضح في الحاقة وفي غيرها ، ويقال : صب عليه السوط وغشاه وقنعه ، واستعمل الصب لاقتضائه السرعة في النزول على المضروب ، قال :

فصب عليهم محصرات كأنها *** شآبيب ليست من سحاب ولا قطر

يريد : المحدودين في قصة الإفك .

وقال بعض المتأخرين في صفة الحبل :

صببنا عليهم ظالمين شياطناً *** فطارت بها أيدي سراع وأرجل

وخص السوط فاستعير للعذاب ، لأنه يقتضي من التكرار والترداد ما لا يقتضيه السيف ولا غيره .

وقال الزمخشري : وذكر السوط إشارة إلى أن ما أحله بهم في الدنيا من العذاب العظيم بالقياس إلى ما أعد لهم في الآخرة ، كالسوط إذا قيس إلى سائر ما يعذب به .