البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِرَمَ ذَاتِ ٱلۡعِمَادِ} (7)

إرم : أمّة قديمة ، وقيل : اسم أبي عاد كلها ، وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام . وقيل : مدينة ، وعلى أنه اسم قبيلة . قال زهير :

وآخرين ترى الماذيّ عدتهم *** من نسج داود أو ما أورثت إرم

وقال الرقيات :

مجداً تليداً بناه أوله *** أدرك عاداً وقبله إرم

ثم وقف المخاطب على مصارع الأمم الكافرة الماضية مقصوداً بذلك توعد قريش ، ونصب المثل لها .

وعاد هو عاد بن عوص ، وأطلق ذلك على عقبه ، ثم قيل للأولين منهم عاداً الأولى ، وإرم نسبة لهم باسم جدهم ولمن بعدهم عاد الأخيرة .

وقال مجاهد وقتادة : هي قبيلة بعينها .

وقال ابن إسحاق : إرم هو أبو عاد كلها .

وقال الجمهور : إرم مدينة لهم عظيمة كانت على وجه الدهر باليمن .

وقال محمد بن كعب : هي الإسكندرية .

وقال ابن المسيب والمقبري : هي دمشق .

وقال مجاهد أيضاً : إرم معناه القديمة .

وقرأ الجمهور : بعاد مصر ، وفا إرم بكسر الهمزة وفتح الراء والميم ممنوع الصرف للتأنيث والعلمية لأنه اسم للقبيلة ، وعاد ، وإن كان اسم القبيلة ، فقد يلحظ فيه معنى الحي فيصرف أو لا يلحظ ، فجاء على لغة من صرف هنداً ، وإرم عطف بيان أو بدل .

وقرأ الحسن : بعاد غير ممنوع الصرف مضافاً إلى إرم ، فجاز أن يكون إرم وجداً ومدينة ؛ والضحاك : إرم بفتح الراء وما بعدها ممنوعي الصرف .

وقرأ ابن الزبير : بعاد بالإضافة ، إرم بفتح الهمزة وكسر الراء ، وهي لغة في المدينة ، والضحاك : بعاد مصروفاً ، وبعاد غير مصروف أيضاً ، أرم بفتح الهمزة وسكون الراء تخفيف أرم بكسر الراء ؛ وعن ابن عباس والضحاك : أرم فعلاً ماضياً ، أي بلي ، يقال : رم العظم وأرم هو : أي بلي ، وأرمه غيره معدى بالهمزة من رم الثلاثي .

وذات على هذه القراءة مكسورة التاء ؛ وابن عباس أيضاً : فعلاً ماضياً ، ذات بنصب التاء على المفعول به ، وذات بالكسر صفة لإرم ؛ وسواء كانت اسم قبيلة أو مدينة ، وإن كان يترجح كونها مدينة بقوله : { لم يخلق مثلها في البلاد } ، فإذا كانت قبيلة صح إضافة عاد إليها وفكها منها بدلاً أو عطف بيان ، وإن كانت مدينة فالإضافة إليها ظاهرة والفك فيها يكون على حذف مضاف ، أي بعاد أهل إرم ذات العماد .

وقرىء : { إرم ذات } ، بإضافة إرم إلى ذات ، والإرم : العلم ، يعني بعاد : أعلام ذات العماد .

ومن قرأ : أرم فعلاً ماضياً ، ذات بالنصب ، أي جعل الله ذات العماد رميماً ، ويكون { إرم } بدلاً من { فعل ربك } وتبييناً لفعل ، وإذا كانت { ذات العماد } صفة للقبيلة .

فقال ابن عباس : هي كناية عن طول أبدانهم ، ومنه قيل : رفيع العماد ، شبهت قدودهم بالأعمدة ، ومنه قولهم : رجل عمد وعمدان أي طويل .

وقال عكرمة ومقاتل : أعمدة بيوتهم التي كانوا يرحلون بها لأنهم كانوا أهل عمود .

وقال ابن زيد : أعمدة بنيانهم ، وإذا كانت صفة للمدينة ، فأعمدة الحجارة التي بنيت بها .

وقيل : القصور العالية والأبراج يقال لها عماد .

وحكي عن مجاهد : أرم مصدر ، أرم يأرم إذا هلك ، والمعنى : كهلاك ذات العماد ، وهذا قول غريب ، كأن معنى { كيف فعل ربك بعاد } : كيف أهلك عاداً كهلاك ذات العماد .

وذكر المفسرون أن ذات العماد مدينة ابتناها شداد بن عاد لما سمع بذكر الجنة على أوصاف بعيد ، أو مستحيل عادة أن يبنى في الأرض مثلها ، وأن الله تعالى بعث عليها وعلى أهله صيحة قبل أن يدخلها هلكوا جميعاً ، ويوقف على قصتهم في كتاب التحرير وشيء منها في الكشاف .