{ فبشرناه بغلام حليم } أي : عاقل واختلف الناس في هذا الغلام المبشر به في هذا الموضع وهو الذبيح ، هل هو إسماعيل أو إسحاق فقال ابن عباس وابن عمر . وجماعة من التابعين : هو إسماعيل وحجتهم من ثلاثة أوجه :
الأول : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أنا ابن الذبيحين " يعني إسماعيل عليه السلام ووالده عبد الله حين نذر والده عبد المطلب أن ينحره إن يسر الله له أمر زمزم ففداه بمائة من الإبل .
الثاني : أن الله تعالى قال : بعد تمام قصة الذبيح { وبشرناه بإسحاق } فدل ذلك على أن الذبيح غيره .
الثالث : أنه روي : أن إبراهيم جرت له قصة الذبح بمكة وإنما كان معه بمكة إسماعيل وذهب علي بن أبي طالب وابن مسعود وجماعة من التابعين إلى أن الذبيح إسحاق وحجتهم من وجهين :
الأول : أن البشارة المعروفة لإبراهيم بالوادي إنما كانت بإسحاق لقوله : { فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب } [ هود : 71 ] .
الثاني : أنه روي : أن يعقوب كان يكتب من يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله .
فتسبب عن دعوته أنا استجبناها له { فبشرناه بغلام } أي بذكر في غاية القوة التي ينشأ عنها الغلمة .
ولما كان هذا الوصف ربما أفهم الطيش ، وصفه بما أبقى صفاءه ونفى كدره فقال : { حليم * } أي لا يعجل بالعقوبة مع القدرة ، لأنه في غاية الرزانة والثبات ، فيكون ذلك إشارة إلى حصول بلاء ما يتبين به أنه سر أبيه أن إبراهيم لحليم ، والحلم لا يكون إلا بعد العلم ، ورسوخ العلم سبب لوجود الحلم ، وهو اتساع الصدر لمساوىء الخلق ومدانىء أخلاقهم ، وهذا الولد هو إسماعيل عليه السلام بلا شك لوجوه : منها وصفه بالحليم ، ووصف إسحاق عليه السلام في سورة الحجر بالعليم ، ومنها أن هذا الدعاء عند الهجرة حيث كان شاباً يرجو الولد ، وهو بكره الذي ولد له بهذه البشرى ، وهو الذي كان بمكة موضع الذبح ، فجعلت أفعاله في ذبحه مناسك للحج في منى كما جعلت أفعال أمه في مكة المشرفة أول أمره عندما أشرف على الموت من العطش مناسك ومعالم هناك ، وأما إسحاق عليه السلام فأتته البشرى فجأة وهو لا يرجو الولد لكبره ويأس أمرأته ، ولذلك راجع في أمره ولم ينقل أنه فارق أمه من بيت المقدس ، ولو كان هو الذبيح لذكره النبي صلى الله عليه وسلم بوصفه حين سئل عن الأكرم فقال : " يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله " ، والرواية التي وردت بالإشارة إلى أنه الذبيح ضعيفة ، بل صرح شيخنا ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف بأن في سندها وضاعاً ، ولأن هذه السورة سورة التنزيه ، فأحق الناس بالذكر فيها - كما سلف - أعرق الناس في قدم التجريد ، وهو أولى الناس بذلك من حين كان حملاً إلى أن عولج ذبحه ، ولم يذكر ظاهراً ، فلو لم يكن المراد بهذا الكلام لكان ترك في هذه السورة - التي حالها هذا - من هو أرسخ الناس في الوصف المقصود بها ، وذلك خارج عن نهج البلاغة التي هي مطابقة المقال لمقتضى الحال ، بل هذا الحال لا يقتضي ذكر إسحاق عليه السلام ، لأنه لم يعلم له تجرد متفق عليه ، وما كان ذكره إلا لبيان جزاء إبراهيم عليه السلام لما اقتضاه مقامه في الاجسان في باب التجريد والفناء - والله الموفق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.