جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{فَبَشَّرۡنَٰهُ بِغُلَٰمٍ حَلِيمٖ} (101)

{ فبشرناه بغلام حليم } فيه بشارة أنه ابن ينتهي في السن إلى أن يوصف بالحلم ، وهو إسماعيل على الأصح نقلا ودليلا{[4301]} فإن إسماعيل هو الذي وهب له إثر الهجرة ولأن البشارة ، بإسحاق بعد معطوفة على هذه البشارة ، وكيف لا وإسماعيل هو الذي كان بمكة والمناسك ، والذبح ما كانت إلا فيها{[4302]} قال بعض العلماء : من تحريفات اليهود أنه إسحاق ؛ لأنه أبوهم وإسماعيل أبو العرب ، ومن زعم من السلف أنه إسحاق ، وهو الذي سمع ذلك من كعب الأحبار حين يروي من الإسرائيليات ، وليس فيه حديث غير ضعيف ، والرواية عن علي وابن عباس ، -رضي الله عنهما- مختلفة


[4301]:وهذا قول ابن عمر، والحسن البصري منقول عبد الله ابن الإمام أحمد والده في كتاب الزهد، وقال ابن أبي حاتم: هل المروي عن علي وأبي هريرة رضي الله عنه وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، والشعبي، ومجاهد وعكرمة وقتادة والسدي/ 12 وجيز.
[4302]:وقال صلى الله عليه وسلم ''أنا ابن الذبيحين''، وقد صححه ابن الجوزي في الوفاء وبين معناه/ 12 منه ووجيز [لا أصل له بهذا اللفظ، انظر كشف الخفاء للعجلوني (1/225 ـ226)، والسلسلة ضعيفة]، وذكر الرازي هذا الحديث وزاد فيه، وقال له أعرابي: يا ابن الذبيحين، فتبسم، فسئل عن ذلك فقال: (إن عبد المطلب لما حفر بئر زمزم، نذر لله لئن سهل الله له أمرها ليذبحن أحد ولده، فخرج السهم على عبد الله فمنعه أخواله، وقالوا له: افد ابنك بمائة من الإبل ففداه بمائة من الإبل، والذبيح الثاني إسماعيل [أخرجه الحاكم (2/551) وسكت عنه، وتعقبه الذهبي بقوله: ''إسناده واه'' وانظر الضعيفة (1/501ـ 502)] انتهى. وفي الفتح قال ابن كثير في تفسيره: وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو إسحاق وحكي ذلك عن طائفة من السلف حتى يقال عن بعض الصحابة، وليس في ذلك كتاب ولا سنة، وما أظن ذلك تلقى إلا عن إخبار أهل الكتاب وأخذ مسلما من غير حجة، وكتاب الله شاهد ومرشد إلى أنه إسماعيل فإنه ذكر البشارة بالغلام الحليم، وذكر أنه الذبيح، وقال بعد ذلك: {وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين} انتهى. واحتج القائلون بأنه إسحاق بأن الله عز وجل قد أخبرهم عن إبراهيم حين فارق قومه، وهاجر إلى الشام مع امرأته سارة، وابن أخيه لوط: فقال: {إني ذاهب إلى ربي سيهدين} إنه دعا فقال: {رب هب لي من الصالحين} وقال تعالى: {فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب} (مريم: 49) ولأن الله قال: {وفديناه بذبح عظيم} فذكر أنه في الغلام الحليم الذي بشر به، وإنما بشر بإسحاق؛ لأنه قال: {وبشرناه بإسحاق} وقال هناك: {بغلام حليم} وذلك قبل أن يعرف هاجر، وقبل أن يصير له إسماعيل، وليس في القرآن أنه بشر بولد إلا إسحاق، قال الزجاج: الله أعلم أيها الذبيح، وكل هذا يحتمل المناقشة والمسألة ليست من العقائد التي كلفنا بمعرفتها فلا نسأل عنها في القيامة، فهي مما لا ينفع علمه، ولا يضر جهله، وقد رجح كل قول طائفة من المنصفين كابن جرير، فإنه رجح أنه إسحاق، وكابن كثير فإنه رجح أنه إسماعيل، ولم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء، وما روى عنه فهو إما موضوع أو ضعيف جدا ولم يبق إلا مجرد استنباطات من القرآن وهي محتملة، لا تقوم بها حجة، فالوقف هو الذي لا ينبغي مجاوزته، وفيه السلامة انتهى ما ذكره صاحب الفتح ملخصا [وهناك ما يؤيد أن الذبيح إسماعيل، وهو أن الله قد بشر أم إسحاق به، وبابنه يعقوب، فقال تعالى عن الملائكة أنهم قالوا لإبراهيم لما أتوه بالبشرى: {لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ''فمحال أن يبشرها بأنه يكون له ولد، ثم يأمر بذبحه]. ونقل العلامة ابن القيم في إغاثة اللهفان عن شيخه شيخ الإسلام أنه قال في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: ومن زيادات أهل الكتاب في التوراة أن الله سبحانه قال لإبراهيم: اذبح ابنك بكرك، ووحيدك إسحاق قال: والزيادة باطلة من وجوه عشرة؛ الأول: أن بكره ووحيده إسماعيل باتفاق الملل الثلاث إلى آخر ما بين الوجوه العشرة. ورجح فيها كون الذبيح إسماعيل ترجيحا لا مرد له، فمن شاء الاطلاع، فليرجع إلى خاتمة كتاب الإغاثة/ .12