تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{فَبَشَّرۡنَٰهُ بِغُلَٰمٍ حَلِيمٖ} (101)

قال الله تعالى : { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ } وهذا الغلام هو إسماعيل عليه السلام ، فإنه أولُ ولد بشر به إبراهيم ، عليه السلام ، وهو أكبر من إسحاق باتفاق المسلمين وأهل الكتاب ، بل في نص كتابهم أن إسماعيل وُلِدَ ولإبراهيم ، عليه السلام ، ست وثمانون سنة ، وولد إسحاق وعمْر إبراهيم تسع وتسعون سنة . وعندهم أن الله تعالى أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده ، وفي نسخة : بكْره ، فأقحموا هاهنا كذبا وبهتانا " إسحاق " ، ولا يجوز هذا لأنه مخالف لنص كتابهم ، وإنما أقحموا " إسحاق " لأنه أبوهم ، وإسماعيل أبو العرب ، فحسدوهم ، فزادوا ذلك وحَرّفوا وحيدك ، بمعنى الذي ليس عندك غيره ، فإن إسماعيل كان ذهب به وبأمه إلى جنب{[25027]} مكة وهذا تأويل وتحريف باطل ، فإنه لا يقال : " وحيد " إلا لمن ليس له غيره ، وأيضا فإن أول ولد له معزة ما ليس لمن بعده من الأولاد ، فالأمر بذبحه أبلغ في الابتلاء والاختبار .

وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو إسحاق ، وحكي ذلك عن طائفة من السلف ، حتى نقل عن بعض الصحابة أيضا ، وليس ذلك في كتاب ولا سنة ، وما أظن ذلك تُلقى إلا عن أحبار أهل الكتاب ، وأخذ ذلك مسلما من غير حجة . وهذا كتاب الله شاهد ومرشد إلى أنه إسماعيل ، فإنه ذكر البشارة بالغلام الحليم ، وذكر أنه الذبيح ، ثم قال بعد ذلك : { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ } . ولما بشرت الملائكة إبراهيم بإسحاق قالوا : { إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ } [ الحجر : 53 ] . وقال تعالى : { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } [ هود : 71 ] ، أي : يولد له في حياتهما ولد يسمى يعقوب ، فيكون من ذريته عقب ونسل . وقد قدمنا هناك أنه لا يجوز بعد هذا أن يؤمر بذبحه وهو صغير ؛ لأن الله [ تعالى ]{[25028]} قد وعدهما بأنه سيعقب ، ويكون له نسل ، فكيف يمكن بعد هذا أن يؤمر بذبحه صغيرا ، وإسماعيل وصف هاهنا بالحليم ؛ لأنه مناسب لهذا المقام .


[25027]:- في ت: "حيث".
[25028]:- (2) زيادة في ت.