سورة   الصافات
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{فَبَشَّرۡنَٰهُ بِغُلَٰمٍ حَلِيمٖ} (101)

قوله : { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ } بشَّر الله نبيه إبراهيم بغلام ذي حلم إذا هو كبر . أما في طفولته فإنه لا يوصف بالحلم . وهذا الغلام الذي بُشِّر به إبراهيم عليه السلام لهو إسماعيل ؛ فهو أول ولد بُشّر به إبراهيم وهو أكبر من إسحاق باتفاق المسلمين وأهل الكتاب . وكان مما ذكره أهل الكتاب أن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده . وفي نسخة أخرى بكره . ثم أقحموا بعد ذلك اسم إسحاق على أنه الذبيح ، افتراء على الله وجنوحا للتعصب والباطل وجريا خلف الهوى الجامح ، ولقد أقحموا اسم إسحاق ؛ لأنه أبوهم ، وإسماعيل أبو العرب فحسدوهم فزادوا ذلك وحرّفوا وحيدك على أنه يعي الذي ليس عنده غيره ؛ فإن إسماعيل كان قد ذهب أبوه به وبأمه إلى مكة . لا جرم أن هذا تأويل سقيم ، وتحريف ظالم وهو في غاية العوج والبطلان ؛ فإنه لا يقال وحيدك إلا لمن ليس له غيره . وذهب آخرون إلى أن الذبيح هو إسحق . وليس لهم في ذلك دليل ظاهر في كتاب ولا سنة . قال ابن كثير في هذا المعنى : وما أظن ذلك تُلُقِّي إلا عن أحبار أهل الكتاب وأُخِذ ذلك قسما مُسلَّما من غير حجة .

والأولى بالصواب أن الذبيح هو إسماعيل . ويُحتج لذلك من الكتاب الحكيم بقوله سبحانه : { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ } فكيف يأمره بذبحه وقد وعده أن يكون نبيا ، والله جل وعلا صادق الوعد ، وكذلك قوله سبحانه : { فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب } أي يولد له في حياتهما ولد يسمى يعقوب فيكون من ذريته عَقِبٌ ونسل فكيف يؤمر بذبح إسحاق قبل إنجاز الوعد في يعقوب .

وذُكِر عن ابن عباس قوله في هذه المسألة : المفدي إسماعيل وزعمت اليهود أنه إسحق وكذبت اليهود . وروى عنه كثيرون أنه قال : الذبيح إسماعيل .