الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{فَبَشَّرۡنَٰهُ بِغُلَٰمٍ حَلِيمٖ} (101)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: فبشّرنا إبراهيم "بغلام حليم"، يعني بغلام ذي حِلْم إذا هو كَبِر، فأما في طفولته في المهد، فلا يوصف بذلك.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{فبشرناه بغُلام حليم} أي: وقور، قال الحسن: ما سمعت الله يجل عباده شيئاً أجل من الحلم.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

حليما لا يعجل في الأمور قبل وقتها، وفي ذلك بشارة له على بقاء الغلام حتى يصير حليما.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

انطوت البشارة على ثلاث: على أن الولد غلام ذكر، وأنه يبلغ أوان الحلم، وأنه يكون حليماً، وأي حلم أعظم من حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح، فقال:

{ستجدني إن شاء الله من الصابرين}، ثم استسلم لذلك.

وقيل: ما نعت الله الأنبياء عليهم السلام بأقل مما نعتهم بالحلم؛ وذلك لعزة وجوده، ولقد وصف الله به إبراهيم في قوله: {إِنَّ إبراهيم لأوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114]، {إِنَّ إبراهيم لحليم أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ} [هود: 75] لأنّ الحادثة شهدت بحلمهما جميعاً.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{فبشرناه بغلام} أي بذكر في غاية القوة التي ينشأ عنها الغلمة.

ولما كان هذا الوصف ربما أفهم الطيش، وصفه بما أبقى صفاءه ونفى كدره فقال: {حليم} أي لا يعجل بالعقوبة مع القدرة، لأنه في غاية الرزانة والثبات، فيكون ذلك إشارة إلى حصول بلاء ما، يتبين به أنه سر أبيه أن إبراهيم لحليم، والحلم لا يكون إلا بعد العلم، ورسوخ العلم سبب لوجود الحلم، وهو اتساع الصدر لمساوئ الخلق ومدانئ أخلاقهم، وهذا الولد هو إسماعيل عليه السلام بلا شك لوجوه: منها وصفه بالحليم، ووصف إسحاق عليه السلام في سورة الحجر بالعليم، ومنها أن هذا الدعاء عند الهجرة حيث كان شاباً يرجو الولد، وهو بكره الذي ولد له بهذه البشرى، وهو الذي كان بمكة موضع الذبح، فجعلت أفعاله في ذبحه مناسك للحج في منى، كما جعلت أفعال أمه في مكة المشرفة أول أمره عندما أشرف على الموت من العطش مناسك ومعالم هناك، وأما إسحاق عليه السلام فأتته البشرى فجأة وهو لا يرجو الولد لكبره ويأس أمرأته، ولذلك راجع في أمره ولم ينقل أنه فارق أمه من بيت المقدس، ولو كان هو الذبيح لذكره النبي صلى الله عليه وسلم بوصفه حين سئل عن الأكرم فقال:"يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله".

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

البشارة: الإِخبار بخير وارد عن قرب أو على بعد؛ فإن كان الله بشّر إبراهيم بأنه يولد له ولد أو يوجد له نسل عقب دعائه كما هو الظاهر، فقد أخبره بأنه استجاب له وأنه يهبه ولداً بعد زمان، فالتعقيب على ظاهره؛ وإن كان الله بشره بغلام بعد ذلك حين حملت منه هاجر جاريته بعد خروجه بمدة طويلة، فالتعقيب نسبي، أي بشرناه حين قدّرنا ذلك أول بشارة بغلام فصار التعقيب آئلاً إلى المبادرة.

الحليم: الموصوف بالحلم وهو اسم يجمع أصالة الرأي ومكارم الأخلاق والرحمة بالمخلوق.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

وقوله سبحانه: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ} البُشْرى بالشيء تكون قبل وجوده، فوصفه الله بأنه سيكون حليماً وهو ما يزال غلاماً. يعني: سيجمع الوصفين معاً؛ لأن الحِلْم عادة ما يتكوَّن لدى الرجل الواعي الذي يستطيع تقدير الأمور، فالميزة هنا أن يتصفَ الغلامُ بالحِلْم في صغَره.

وفعلاً ظهر حِلْم هذا الغلام في أول اختبار يتعرَّض له، حين قال له أبوه:

{يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ} تأمل ماذا قال الغلام، وأبوه يريد أنْ يذبحه، {قَالَ يٰأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} هذا هو الحِلْم، يتجلَّى منه وهو غلام.