تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن يَأۡتِيهِ عَذَابٞ يُخۡزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيۡهِ عَذَابٞ مُّقِيمٌ} (39)

وقوله : { وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ } أي : يَطْنزون به ويكذبون بما يتوعدهم به من الغرق ، { قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } وعيد شديد ، وتهديد أكيد ، { مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } أي : يهنه في الدنيا ، { وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ } أي : دائم مستمر أبدا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن يَأۡتِيهِ عَذَابٞ يُخۡزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيۡهِ عَذَابٞ مُّقِيمٌ} (39)

يجوز أن تجعل كاف التشبيه مفيدة معنى التعليل كالتي في قوله تعالى : { واذكروه كما هداكم } [ البقرة : 198 ] فيفيد التفاوت بين السخريتين ، لأن السخرية المعللة أحق من الأخرى ، فالكفار سخروا من نوح عليه السلام لعمل يجهلون غايته ، ونوح عليه السّلام وأتباعه سخروا من الكفار لعلمهم بأنهم جاهلون في غرور ، كما دل عليه قوله : { فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه } فهو تفريع على جملة { فإنّا نسخر منكم } أي سيظهر مَن هو الأحق بأن يسخر منه .

وفي إسناد ( العلم ) إلى ضمير المخاطبين دون الضمير المشارك بأن يقال : فسوف نعلم ، إيماء إلى أن المخاطبين هم الأحق بعلم ذلك . وهذا يفيد أدباً شريفاً بأن الواثق بأنه على الحق لا يزعزع ثقته مقابلة السفهاء أعماله النافعة بالسخرية ، وأن عليه وعلى أتباعه أن يسخروا من الساخرين .

والخزي : الإهانة ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { ربنا إنك مَن تدخل النار فقد أخزيته } في آخر سورة [ آل عمران : 192 ] .

والعذاب المقيم : عذاب الآخرة ، أي من يأتيه عذاب الخزي في الحياة الدنيا ، والعذاب الخالد في الآخرة .

و { مَن } استفهامية معلّقة لفعل العِلم عن العمل ، وحلول العذاب : حصوله ؛ شبه الحصول بحلول القادم إلى المكان وهو إطلاق شائع حتى ساوى الحقيقة .