الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن يَأۡتِيهِ عَذَابٞ يُخۡزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيۡهِ عَذَابٞ مُّقِيمٌ} (39)

{ فسوف تعلمون } إذا عاينتم العذاب{[32297]} { من يأتيه عذاب يخزيه }[ 39 ] أي : من هو أحمد عاقبة منا ، ومنكم{[32298]} .

و( من ) تكون هنا خبرا ، واستفهاما ، وتقريرا ، إعرابها في الوجهين ظاهر .

( وروت عائشة رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لو رحم الله ( أحدا من قوم نوح ){[32299]} لرحم أم الصبي ، كان نوح{[32300]} قد مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، يدعوهم إلى الله عز وجل{[32301]} ، حتى كان آخر زمانه غارس شجرة ، فعظمت{[32302]} ، وذهبت كل مذهب ، ثم قطعها ، ثم جعل يعمل{[32303]} سفينته{[32304]} . ويمرون ، فيسألونه ، فيقول : أعمل سفينة . فيسخرون منه ، ويقولون : تعمل سفينة في البر ، فكيف تجري ؟ فيقول : سوف تعلمون . فلما فرغ منها ، وفار التنور ، وكثر الماء في السكك ، وخشيت أم الصبي عليه ، وكانت{[32305]} تحبه حبا شديدا ، فخرجت إلى الجبل ، حتى بلغت ثلثه{[32306]} ، فلما بلغها الماء ، خرجت حتى بلغت ثلثي الجبل ، فلما بلغها الماء ، خرجت حتى استوت على الجبل ، فلما بلغ الماء رقبتها ، رفعته{[32307]} بيديها حتى ذهب بها الماء{[32308]} .

قال{[32309]} قتادة : كان طول السفينة ثلاثمائة ذراع ، وعرضها خمسون ذراعا ، وطولها في السماء ثلاثون ذراعا ، وبابها في عرضها{[32310]} .

وقال الحسن : كان طول السفينة ألف ذراع ، ومائتي{[32311]} ذراع{[32312]} ، وعرضها ستمائة ذراع{[32313]} .

وقال عكرمة : إنما طولها ثلاثمائة ذراع ، وعرضها ورفعها{[32314]} ثلاثون ذراعا{[32315]} .

وعن الحسن ، ( رحمة الله عليه ، أيضا ){[32316]} ، أنه قال : كان طولها ألف ذراع ، في خمسمائة ذراع ، وبابها في جنبها{[32317]} .

قال : أبو رجاء{[32318]} : كانت مطبقة .

وقيل : إنها كانت : ثلاث{[32319]} طبقات : طبقة فيها الدواب والوحوش{[32320]} ، وطبقة فيها الإنس ، وطبقة فيها الطير . فلما كثر أروات الدواب أوحى الله عز وجل{[32321]} ، إلى نوح{[32322]} : أن أغمز ذنب الفيل ، فغمزه . فوقع منه خنزير وخنزيرة ، فأقبل على الروث . ثم إن الفأر وقع بحبل{[32323]} السفينة يقرضه{[32324]} ، فأوحى الله إلى نوح أن اضرب بين عيني الأسد ، فضرب ، فخرج من منخره سنور وسنورة ، فأقبل على الفأر{[32325]} .

قال ابن عباس : قال الحواريون لعيسى عليه السلام : لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة ، فحدثنا عنها ، قال : فانطلق بهم عيسى عليه السلام ، حتى أتى إلى كثيب من تراب ، فأخذ كفا من ذلك التراب بكفيه ، فقال : أتدرون ما هذا قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : هذا/ كعب حام بن نوح . قال : فضرب الكثيب بعصى ، وقال : ثم بإذن الله ، فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه ، قد شاب ، قال له عيسى : هكذا هلكت . قال : لا ، ولكن مت ، وأنا شاب ، ولكنني ظننت أنها الساعة ، فمن ثم : شبت . قال : حدثنا عن سفينة نوح قال : كان طولها ألف ذراع ، ومائتي ذراع ، وعرضها ستمائة ذراع . ثم حكى له طبقاتها ، وما كان فيها ، وقصة الأرواث ، والفأر على ما تقدم ذكره . ثم قال له عيسى عليه السلام{[32326]} : كيف علم نوح أن البلاد قد{[32327]} غرقت ؟ قال : بعث الغراب يأتيه بالخبر ، فوجد جيفة فوقع عليها ، فدعا عليه{[32328]} بالخوف ، فلذلك لا يألف البيوت . قال : ثم بعث الحمامة ، فجاءت بورق زيتون بمنقاريها ، وطين برجليها . فعلم أن البلاد قد غرقت ، فطوقها الخضرة التي في عنقها ، ودعا أن تكون في أنس ، وأمان ، فمن ثم تألف البيوت{[32329]} .

وروى عبيد بن عمير الليثي{[32330]} : أنهم كانوا يخنقون نوحا حتى يغشى عليه ، فإذا فاق قال : اللهم أغفر لقومي ، فإنهم لا يعلمون . حتى إذا تمادوا في المعصية ، وتطاول عليه منهم الشأن{[32331]} ، وعظيم البلاء ، ولا يأتي قرن منهم إلا كان أخبث من صاحبه . يقولون : قد كان هذا مع آبائنا ، وأجدادنا مجنونا ، لا تقبل منه شيئا . فشكا ذلك إلى الله ، وقال كما قص الله سبحانه علينا : { رب{[32332]} قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلى فرارا }{[32333]} – إلى آخر القصة – ثم قال{[32334]} : { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا{[32335]} – إلى آخر القصة - . فأوحى الله عز وجل{[32336]} ، إليه : أن اصنع الفلك . وزعم أهل التوراة أن الله سبحانه ، أمره أن يجعل عوده من الساج ، وأن يطليه{[32337]} بالقار{[32338]} ، من داخل ، ومن خارج ، وأن يجعل طوله ثمانين ذراعا ، وعرضه خمسين ذراعا ، وطوله في السماء ثلاثين ذراعا ، وجعل الله عز وجل ، له فور التنور{[32339]} آية . فلما فار ، حمل في الفلك من أمره الله سبحانه ، بنيه الثلاثة{[32340]} : سام ، وحام{[32341]} ، ويافث ، ونساءهم ، وستة أناس ممن كان آمن به . فكان جميعهم عشرة رجال . وتخلف عنه ابنه يام ، وكان كافرا{[32342]} .


[32297]:انظر التعليق السابق في الهامش (1).
[32298]:انظر هذا التوجيه في: معاني الزجاج 3/51.
[32299]:ما بين القوسين ساقط من ط.
[32300]:ط: صم.
[32301]:ساقط من ق.
[32302]:ق: وطعمة.
[32303]:ق: تعمل.
[32304]:ق: سفينة.
[32305]:ق: وكان.
[32306]:ق: ثلثيه.
[32307]:ق: فرفعت بيديها حتى أذهب.
[32308]:هذا الأثر رواه الحاكم في: المستدرك 2/342، وقال: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وبذيل المستدرك علق الحافظ الذهبي: (إسناده مظلم، وموسى ليس بذاك)، وهو يقصد أحد رجال هذا الحديث، موسى بن يعقوب الزمعي، الذي ضعف روايته بعض رجال الحديث، كالإمام أحمد، وشيخ البخاري علي بن المديني، الذي قال عنه: ضعيف الحديث، منكر الحديث. رواه الطبري في جامع البيان 15/310-311 بنفس الألفاظ، وزيادة. وزاد الحاكم في آخره: فلو رحم الله منهم أحدا لرحم أم الصبي. انظر: هامش جامع البيان 15/310، وما بعده.
[32309]:ط: وقال.
[32310]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/311.
[32311]:ق: مائتين.
[32312]:ط: ذراعا.
[32313]:انظر هذا القول في: المصدر السابق.
[32314]:ق: أو رفعها.
[32315]:انظر هذا القول في: الجامع 9/22.
[32316]:ما بين القوسين ساقط من ط.
[32317]:انظر هذا الخبر بمعنى مختلف في: الجامع 9/22.
[32318]:ق: أب وأرجا. وهو أبو يزيد بن أبي حبيب المصري، عالم، من رجال الحديث. (ت: 128 هـ) انظر: التهذيب 11/218، وطبقات الحفاظ: 59.
[32319]:ط: ثلاثة.
[32320]:ق: والوحش.
[32321]:ساقط من ق.
[32322]:ط: صم.
[32323]:ق: بحوز. ط: بحزن.
[32324]:ق: لقرضه.
[32325]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/316، وعزاه إلى يوسف بن مهران، وابن عباس في 15/312، وانظره في: تفسير ابن كثير: 3/688، حيث قال: إنه حديث غريب. وقال الألوسي في روح المعاني: (وسفينة الأخبار في تحقيق الحال – فيما أرى – لا تصلح للركوب فيها، إذ هي غير سالمة عن عيب. فالجري بحال من لا يميل إلى الفضول أن يؤمن بأنه عليه السلام، صنع الفلك حسبما قص الله في كتابه، ولا يخوض في مقدار طولها، وعرضها، وارتفاعها، ومن أي خشب صنعها، وبكم مدة أتم عملها، إلى غير ذلك مما لم يشرحه الكتاب، ولم تبينه السنة الصحيحة. وقال أبو حيان في البحر: هنا أقوال متعارضة، لا يصح منها شيء. وقال ابن عطية في المحرر 9/151: وهذا كله قصص لا يصح إلا لو أسند، والله أعلم كيف كان.
[32326]:ط: صم.
[32327]:ساقط من ق.
[32328]:ط: مطموس.
[32329]:انظر هذا الخبر في: جامع البيان 15/312، وهو من الإسرائيليات.
[32330]:عبيد بن عمير بن قتادة الليثي، أبو عاصم المكي، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قاله مسلم، وعده غيره في كبار التابعين، وكان قاص أهل مكة، مجمع على ثقته. مات قبل ابن عمر، روى عن الجماعة تقريب التهذيب 1/505، الثقات: 5/132.
[32331]:ط: البستان.
[32332]:في النسختين معا: ربي.
[32333]:نوح الآيتان 5-6.
[32334]:ساقط من ط.
[32335]:نوح: 28.
[32336]:ساقط من ق.
[32337]:ط: يطيله.
[32338]:و(القير والقار: لغتان: وهو صُعُد يذاب، فيستخرج منه القار، وهو شيء أسود، تطلى به الإبل والسفن، يمنع الماء أن يدخل... وقيل: الزفت) اللسان: قير.
[32339]:ق: السفينة.
[32340]:ط: ثلاثة، ق: ثلاثا. والتصويب من الطبري.
[32341]:ق: ساما وحاما.
[32342]:ق: كافر وانظر هذا الخبر في: جامع البيان 15/313-314.