تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّضِلٍّۗ أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِعَزِيزٖ ذِي ٱنتِقَامٖ} (37)

يقول تعالى : { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } - وقرأ بعضهم : " عباده " - يعني أنه تعالى يكفي من عبده وتوكل عليه .

وقال{[25132]} ابن أبي حاتم هاهنا : حدثنا أبو عبيد الله{[25133]} ابن أخي ابن ، وهب حدثنا عمي ، حدثنا أبو هانئ ، عن أبي علي عمرو بن مالك الجنبي{[25134]} ، عن فضالة بن عبيد الأنصاري ؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أفلح من هدي إلى الإسلام ، وكان عيشه كفافا ، وقَنَعَ به " .

ورواه الترمذي والنسائي من حديث حيوة بن شريح ، عن أبي هانئ الخولاني ، به{[25135]} . وقال الترمذي : صحيح .

{ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } يعني : المشركين يخوفون الرسول ويتوعدونه بأصنامهم وآلهتهم التي يدعونها{[25136]} من دونه ؛ جهلا منهم وضلالا ؛ ولهذا قال تعالى : { وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ } أي : منيع الجناب لا يضام ، من استند إلى جنابه ولجأ إلى بابه ، فإنه العزيز الذي لا أعز منه ، ولا أشد انتقاما منه ، ممن كفر به وأشرك وعاند رسوله صلى الله عليه وسلم .


[25132]:- في ت: "وروى".
[25133]:- في أ: "عبد الله".
[25134]:- في أ: "الحسيني".
[25135]:- ورواه الحاكم في المستدرك (4/122) والطبراني في المعجم الكبير (18/306) من طريق عبد الله بن وهب عن أبي هانئ به.
[25136]:- في أ: "يدعون بها".

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّضِلٍّۗ أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِعَزِيزٖ ذِي ٱنتِقَامٖ} (37)

و أما جملة { ومَن يَهْدِ الله فما لهُ مِن مُضلٍ } فقد اقتضاها أن الكلام الذي اعترضت بعده الجملتان اقتضى فريقين : فريقاً متمسكاً بالله القادر على النفع والضر وهو النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون ، وآخرَ مستمسكاً بالأصنام العاجزة عن الأمرين ، فلما بُيّن أن ضلال الفريق الثاني ضلال مكين ببيان أن هدى الفريق الآخر راسخ متين فلا مطمع للفريق الضال بأن يجرّوا المهتدين إلى ضلالهم .

{ أَلَيْسَ الله بِعَزِيزٍ ذِى انتقام } .

تعليل لإِنكار انتفاء كفاية الله عن ذلك كإنكار أن الله عزيز ذو انتقام ، فلذلك فصلت الجملة عن التي قبلها .

والاستفهام تقريري لأن العلم بعزة الله متقرر في النفوس لاعتراف الكل بإلهيته والإلهية تقتضي العزة ، ولأن العلم بأنه منتقم متقرر من مشاهدة آثار أخذه لبعض الأمم مثل عاد وثمود . فإذا كانوا يقرّون لله بالوصفين المذكورين فما عليهم إلا أن يعلموا أنّه كافٍ عبده بعزته فلا يقدر أحد على إصابة عبده بسوء ، وبانتقامه من الذين يبْتغون لعبده الأذى .

والعزيز : صفة مشبهة مشتقة من العزّ ، وهو منَعَة الجانب وأن لا يناله المتسلط وهو ضد الذل ، وتقدم عند قوله تعالى : { فاعلموا أن اللَّه عزيز حكيم } في سورة [ البقرة : 209 ] .

والانتقام : المكافأة على الشر بشر ، وهو مشتق من النقْم وهو الغضب كأنه مطاوعه لأنه مسبب عن النَّقْم ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { فانتقمنا منهم فأغرقناهم } في اليم في سورة [ الأعراف : 136 ] . وانظر قوله تعالى : { واللَّه عزيز ذو انتقام } في سورة [ العقود : 95 ] .