تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَوۡ مِسۡكِينٗا ذَا مَتۡرَبَةٖ} (16)

وقوله : { أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ } أي : فقيرا مُدقعًا لاصقا بالتراب ، وهو الدقعاء أيضا .

قال ابن عباس : { ذَا مَتْرَبَةٍ } هو المطروح في الطريق{[30114]} الذي لا بيت له ، ولا شيء يقيه من التراب - وفي رواية : هو الذي لصق بالدقعاء من الفقر والحاجة ، ليس له شيء - وفي رواية عنه : هو البعيد التربة .

قال ابن أبي حاتم : يعني الغريب عن وطنه .

وقال عكرمة : هو الفقير المديون المحتاج .

وقال سعيد بن جبير : هو الذي لا أحد له .

وقال ابن عباس ، وسعيد ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان : هو ذو العيال .

وكل هذه قريبة المعنى .


[30114]:- (4) في م: "بالطريق".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَوۡ مِسۡكِينٗا ذَا مَتۡرَبَةٖ} (16)

والمسكين : الفقير ، وتقدم في سورة البقرة ( 184 ) عند قوله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين وذا متربة } صفة لمسكين جعلت المتربة علامة على الاحتياج بحسب العرف .

والمَتربة مصدر بوزن مفْعَلة أيضاً وفعِله تَرِب يقال : ترب ، إذا نام على التراب أي لم يكن له ما يفترشه على الأرض ، وهو في الأصل كناية عن العُروِّ من الثياب التي تحول بين الجسد والأرض عند الجلوس والاضطجاع وقريب منه قولهم في الدعاء : تَرِبت يمينك : وتربَت يداك .

و { أو } للتقسيم وهو معنى من معاني ( أو ) جاء من إفادة التخيير .

واعلم أنه إن كان المراد بالإنسان الجنس المخصوص ، أي المشركين كان نفي فكّ الرقاب والإِطعام كنايةً عن انتفاء تحلّيهم بشرائع الإِسلام لأن فكّ الرقاب وإطعام الجياع من القُربات التي جاء بها الإِسلام من إطعام الجياع والمحاويج وفيه تعريض بتعيير المشركين بأنهم إنما يحبون التفاخر والسمعة وإرضاء أنفسهم بذلك ، أو لمؤانسة الأخلاّء وذلك غالب أحوالهم ، أي لم يطعموا يتيماً ولا مسكيناً في يوم مسغبة ، أي هو الطعام الذي يرضاه الله لأن فيه نفع المحتاجين من عباده . وليس مثل إطعامكم في المآدب والولائم والمنادمة التي لا تعود بالنفع على المطعَمين لأن تلك المطاعم كانوا يدْعُون لها أمثالهم من أهل الجِدّة دون حاجة إلى الطعام وإنما يريدون المؤانسة أو المفاخرة .

وفي حديث مسلم " شر الطعام طعامُ الوليمة يُمْنَعْها من يأتيها ويُدعى إليها من يأباها " وروى الطبراني : " شرّ الطعام طعام الوليمة يُدعى إليه الشَّبْعان ويُحبس عنه الجائع " .

وإن كان المراد من الإِنسان واحداً معيناً جاز أن يكون المعنى على نحو ما تقدم ، وجاز أن يكون ذَمّاً له باللّؤْم والتفاخرِ الكاذب ، وفضحاً له بأنه لم يسبق منه عمل نافع لقومه قبل الإِسلام فلم يغرم غرامة في فَكاك أسير أو مأخوذٍ بدم أو مَنّ بحُرية على عبدٍ .

وأيَّاَ مَّا كان فليس في الآية دلالة على أن الله كلف المشركين بهذه القرب ولا أنه عاقبهم على تركهم هذه القربات ، حتى تفرض فيه مسألة خطاب الكفار بفروع الشريعة وهي مسألة قليلة الجدوى وفرضها هنا أقل إجداء .