{ وَجَاءَ رَبُّكَ } يعني : لفصل القضاء بين خلقه ، وذلك بعد ما يستشفعون{[30057]} إليه بسيد ولد آدم على الإطلاق محمد صلى الله عليه وسلم ، بعدما يسألون أولي العزم من الرسل واحدًا بعد واحد ، فكلهم يقول : لست بصاحب ذاكم ، حتى تنتهي النوبة إلى محمد صلى الله عليه وسلم{[30058]} فيقول : " أنا لها ، أنا لها " . فيذهب فيشفع عند الله في أن يأتي لفصل القضاء فيشفعه الله في ذلك ، وهي أول الشفاعات ، وهي المقام المحمود كما تقدم بيانه في سورة " سبحان " {[30059]} فيجيء الرب تعالى لفصل القضاء كما يشاء ، والملائكة يجيئون بين يديه صفوفا صفوفا .
وقوله تعالى { وجاء ربك } معناه : وجاء قدره وسلطانه وقضاؤه وقال منذر بن سعيد معناه ظهوره للخلق هنالك ليس مجيء نقلة ، وكذلك مجيء الصاخة ومجيء الطامة{[11809]} . و { الملك } اسم جنس يريد جميع الملائكة وروي أن ملائكة كل سماء يكونون ‘ صفا ‘ حول الأرض في يوم القيامة وذكر الطبري في ذلك حديثا طويلا اختصرته وبهذا المعنى يتفسر قوله تعالى { يوم التناد }{[11810]} على قراءة من شد الدال وقوله تعالى في سورة الرحمن { إن استطعتم أن تنفذوا } الآية{[11811]} .
وقرا ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي في هذه الآية ( تكرمون ) بالتاء وكذلك سائر الأفعال بعدها على الخطاب وقرأ أبو عمرو والحسن ومجاهد وأبو رجاء وقتادة والجحدري ( يكرمون ) في جميعها على ذكر الغائب إذ قد تقدم اسم جنس الإنسان .
وأما قوله تعالى : { والملك صفّاً صفّاً } ف { صفّاً } الأول حال من { الملك } .
و{ صَفّاً } الثاني لم يختلف المفسرون في أنه من التكرير المراد به الترتيب والتصنيف ، أي صفّاً بعد صفِّ ، أو خَلْفَ صفّ ، أو صنفاً من الملائكة دون صنف ، قيل : ملائكة كل سَماء يكونون صفّاً حول الأرض على حدة .
قال الرضي وأما تكرير المنكَّر في قولك ، قرأت الكتاب سورةً سورةً ، وقوله تعالى : { وجاء ربك والملك صفاً صفاً } فليس في الحقيقة تأكيداً إذ ليس الثاني لتقرير ما سبق بل هو لتكرير المعنى لأن الثاني غير الأول معنى . والمعنى : جميع السور وصفوفاً مختلفة ا ه . وشذّ من المفسرين من سكت عنه . ولا يحتمل حمله على أنه مفعول مطلق مؤكد لعامله إذ لا معنى للتأكيد .
وإسناد المجيء إلى الله إما مجاز عقلي ، أي جاء قضاؤه ، وإما استعارة بتشبيه ابتداء حسابه بالمجيء .
وأما إسناده إلى الملَك فإما حقيقةٌ ، أو على معنى الحضور وأيًّا مَّا كان فاستعمال ( جاء ) من استعمال اللفظ في مجازه وحقيقته ، أو في مَجَازَيْه .
و { الملَك } : اسم جنس وتعريفه تعريف الجنس فيرادفه الاستغراق ، أي والملائكة .
والصف : مصدر صَفَّ الأشْياءَ إذا جعل الواحد حذو الآخر ، ويطلق على الأشياء المصفوفة ومنه قوله تعالى : { إن اللَّه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً } [ الصف : 4 ] وقوله : { فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفاً } في سورة طه ( 64 ) .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله : "وَجاءَ رَبّكَ وَالمَلَكُ صَفّا صَفّا" يقول تعالى ذكره : وإذا جاء ربك يا محمد وأملاكه صفوفا صفا بعد صفّ ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أحدها: أن يكون معناه: وجاء ربك بالملك ، إذ يجوز أن تستعمل الواو مكان الباء... والثاني ... قوله : { وجاء ربك } أمر ربك .
الثالث : أن يكون قوله : { وجاء ربك } أي جاء وعده ووعيده ...
ثم الأصل في المجيء المضاف إلى الله تعالى أن يتوقف فيه ، ولا يقطع الحكم على شيء لما ذكرنا أن المجيء ليس يراد به وجه واحد...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
معناه وجاء أمر الله أو عذاب الله وقيل : معناه وجاء جلائل آياته ، فجعل مجيئ جلائل الآيات مجيئا له تفخيما لشأنها. وقال الحسن : معناه وجاء قضاء الله ...( والملك صفا صفا ) معناه كصفوف الناس في الصلاة يأتي الصف الأول ثم الصف الثاني ثم الثالث على هذا الترتيب ، لأن ذلك أشكل بحال الاستواء من التشويش والتخليط بالتعديل في الأمور ، والتقويم أولى . ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
فإن قلت : ما معنى إسناد المجيء إلى الله ، والحركة والانتقال إنما يجوزان على من كان في جهة، قلت : هو تمثيل لظهور آيات اقتداره وتبين آثار قهره وسلطانه : مثلت حاله في ذلك بحال الملك إذا حضر بنفسه ظهر بحضوره من آثار الهيبة والسياسة ما لا يظهر بحضور عساكره كلها ووزرائه وخواصه عن بكرة أبيهم { صَفّاً صَفّاً } ينزل ملائكة كل سماء فيصطفون صفاً بعد صف محدقين بالجن والإنس . ...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وجاء قدره وسلطانه وقضاؤه وقال منذر بن سعيد معناه ظهوره للخلق هنالك ليس مجيء نقلة ...
لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن 741 هـ :
اعلم أن هذه الآية من آيات الصفات التي سكت عنها وعن مثلها عامة السلف وبعض الخلف ، فلم يتكلموا فيها وأجروها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تأويل ، وقالوا يلزمنا الإيمان بها وإجراؤها على ظاهرها ، وتأولها بعض المتأخرين ...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
والجبار المتكبر يتجلى ويتولى الحكم والفصل ،...
تفسير القرآن الكريم لابن عثيمين 1421 هـ :
هذا المجيء هو مجيئه عز وجل لأن الفعل أسند إلى الله ، وكل فعل يسند إلى الله فهو قائم به لا بغيره ، هذه القاعدة في اللغة العربية ، والقاعدة في أسماء الله وصفاته كل ما أسنده الله إلى نفسه فهو له نفسه لا لغيره ، وعلى هذا فالذي يأتي هو الله عز وجل ... ونقول : إن الله تعالى يجيء يوم القيامة هو نفسه ، ولكن كيف هذا المجيء ؟ هذا هو الذي لا علم لنا به لا ندري كيف يجيء ؟ والسؤال عن مثل هذا بدعة كما قال الإمام مالك ...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.