ثم قال تعالى : ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) أي : واللائكة صفا بعد صف {[75580]} .
وروى شهر بن حوشب عن ابن عباس أنه قال : إذا كان يوم القيامة ، مدت الأرض مد الأديم ، وزيد في سعتها كذا وكذا ، وجمع الخلائق بصعيد {[75581]} واحد ، جنهم وإنسهم ، فإذا كان [ ذلك ] {[75582]} اليوم {[75583]} قيضت السماء الدنيا عن أهلها على وجه الأرض ، ولأهل هذه السماء وحدهم أكثر من أهل الأرض ، جنهم وإنسهم بضعف ، [ فإذا مروا ] {[75584]} على وجه الأرض فزعوا منهم ، فيقولن : ( أفيكم ربنا ؟ فيفزعون من قولهم ، فيقولون ) {[75585]} سبحان ربنا ، ليس فينا {[75586]} وهو آت {[75587]} ثم تقاض {[75588]} السماء الثانية ، فأهل السماء الثانية وحدهم أكثر من أهل سماء الدنيا ومن جميع أهل الأرض بضعف {[75589]} جنهم وإنسهم ، فإذا مروا على وجه الأرض فزع إليهم أهل الأرض فيقولون : أفيكم ربنا ؟ فيفزعون من كلامهم {[75590]} ويقولون {[75591]} : سبحان الله {[75592]} ليس فينا ، وهو آت ثم تقاض {[75593]} السماوات {[75594]} سماء ( سماء ) {[75595]} ، كلما قيضت {[75596]} سماء عن أهلها كانت/ أكثر أهل السماوات {[75597]} الني تحتها ومن جميع أهل الأرض بضعف ، فإذا مروا على وجه الأرض فزع إليهم أهل الأرض فيقولون : لهم مثل ذلك ، ويرجعون إليهم مثل ذلك ، حتى [ تقاض {[75598]} السماء ] {[75599]} السابعة ، فلأهل السماء السابعة أكثر من أهل ست سماوات ومن جميع أهل الأرض بضعف ، فجيء الله عز وجل فيهم وجميع الأمم جثي [ صفوف ] {[75600]} ، ويناد مناد : ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم ، ليقم الحمادون {[75601]} لله {[75602]} على كل حال ، قال : فيقومون فيسرحون إلى الجنة ، ثم ينادي الثانية : ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم ، أين اللذين كانت تتجافى {[75603]} جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون {[75604]} ؟ فيسرحون إلى الجنة ، ثم ينادي الثالثة : ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم ، أين الذين كانوا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ؟ {[75605]} فيسرحون في الجنة ، فإذا أخذ من هؤلاء ثلاثة {[75606]} عنق النار فأشرف على الخلائق له عينان تبصران ولسان فصيح فيقول {[75607]} : إني وكلت منكم بثلاثة : بكل جبار عنيد ، [ فيلتقطهم ] {[75608]} من الصفوف لقط الطير {[75609]} حب السمسم {[75610]} فيخنس {[75611]} بهم في جهنم ، [ ثم ] {[75612]} [ يخرج ] {[75613]} ثانية [ فيقول ] {[75614]} إني وكلت منكم بمن آذى الله ورسوله ، [ فيلتقطهم ] {[75615]} [ من الصفوف ] {[75616]} لقط الطير {[75617]} حب السمسم [ فيخنس ] {[75618]}بهم في جهنم . قال شهر بن حوشب {[75619]} : وأحسب أنه ذكر في الثالثة أهل التصوير [ فيلتقطهم ] {[75620]} كذلك . قال : فإذا أخذ من هؤلاء ثلاثة ، ومن هؤلاء ثلاثة ، نشرت الصحف ووضعت الموازين {[75621]} ودعي الخلائق للحساب {[75622]} .
وقال الضحاك : إذا كان يوم القيامة ، أمر الله جل ذكره السماء الدنيا بأهلها ، فنزل من فيها من الملائكة فأحاطوا بالأرض ومن عليها ، ثم الثانية ، ثم الثالثة ، كذلك إلى السابعة ، فصفوا صفا دون صف ، ثم ينزل الملك الأعلى ، على مجنبته اليسرى جهنم ، فإذا رآها أهل الأرض نادوا {[75623]} ، فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة ، فيرجعون إلى المكان الذي {[75624]} كانوا فيه ، فذلك قوله عز وجل عز وجل : ( إني أخاف عليكم يوم التناد ، يوم تولون مدبرين ) {[75625]} .
وقرئ بتشديد الدال {[75626]} من ند {[75627]} البعير : إذا فر .
قال ذلك {[75628]} قوله : ( وجاء ربك والملك صفا صفا ، وجيء يومئذ بجهنم ) {[75629]} . وقوله : ( يا معشر الجن والانس إن استطعتموا أن تنفذوا . . . ) الآية {[75630]} .
وهو قوله : ( وانشقت السماء فهي يومئذ واهية ، والملك على أرجائها ) {[75631]} .
روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم ( قال ) {[75632]} : توقفون واحدا {[75633]} يوم القيامة مقدار سعين عاما لا ينظر إليكم ولا يقضى بينكم ، فتبكون حتى ينقطع الدمع {[75634]} ، ثم تدمعون دما وتبكون حتى يبلغ {[75635]} ذلك منكم [ الأذقان ] {[75636]} ويلجمكم {[75637]} وتضجون {[75638]} ثم تقولون : [ من ] {[75639]} يشفع لنا ربنا فيقضي بيننا فيقولون {[75640]} : من أحق بذلك من أبيكم آدم ، قبل الله توبته {[75641]} وخلقه بيده ونفخ من روحه وكلمه [ قبلا ] {[75642]} فيؤتى آدم ، فيطلب ذلك غليه فيأبى ، ثم الأنبياء –نبيا- نبيا كما جاؤوا نبيا أبى {[75643]} .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حتى يأتونني {[75644]} فإذا جاءوني خرجت حتى أتى الفحص .
قال أبو هريرة : يا رسول الله ، وما الفحص ؟ قال قدام العرش ، قال : فأخر ساجدا ، قال : فلا أزال ساجدا حتى يبعث الله إلي ملكا فيأخذ بعضدي فيرفعني فيقول الله جل وعز [ لي ] {[75645]} يا محمد ، فأقول : نعم ، وهو أعلم {[75646]} ، فيقول : ما شأنك {[75647]} ؟ فأقول {[75648]} : يا رب ، وعدتني الشفاعة ، فشفعني في خلقك واقض بينهم ، فيقول تعالى : شفعتك {[75649]} ، أنا آتيهم وأقضي بينهم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأنصرف {[75650]} حتى أقف مع الناس ، فبينما نحن وقوف ، سمعنا حسا من السماء شديدا ، فهالنا ، فنزل أهل سماء الدنيا بمثلي من في الأرض من الإنس والجن ، حتى إذا دنوا من الأرض ، أشرقت الأرض لنورهم ، وأخذوا [ مصافهم ] {[75651]} [ فقلنا ] {[75652]} ( لهم ) {[75653]} أفيكم ربنا ؟ [ فقالوا ] {[75654]} : لا ، وهو آت . ثم نزل {[75655]} أهل الثانية بمثلي من نزل من الملائكة وبمثل من فيها من الجن والإنس ، حتى إذا دنوا من الأرض ، أشرقت الأرض لنورهم وأخذوا مصافهم {[75656]} ، فقلنا لهم {[75657]} : أفيكم ربنا ؟ فقالوا : لا ، وهو آت ، ثم ينزل أهل {[75658]} السماوات على {[75659]} قدر ذلك من التضعيف ، حتى نزل الجبار في ظلل من الغمام والملائكة لهم {[75660]} زجل من تسبيخهم/ يقولون : سبحان الملك ذي الملكوت ، سبحان رب العرش ذي الجبروت ، سبحان الحي الذي لا يموت ، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت ، سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، قدوس قدوس سبحان ربنا الأعلى سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والسلطان والعظمة ، سبحانه أبدا أبدا ، فينزل تعالى جل ذكره يحمل عرشه عرشه يومئذ ثمانية ، وهم اليوم أربعة أقدامهم على تخوم الأرض السفلى والسماوات إلى {[75661]} حجزهم {[75662]} والعرش إلى {[75663]} منابرهم . قال : فيضع الله جل ذكره كرسيه حيث شاء {[75664]} من الأرض ، ثم ينادي بنداء يسمع الخلائق فيقول/ [ يا معشر الجن ] {[75665]} والإنس [ إني ] {[75666]} قد أنصت من يوم خلقتكم إلى يومكم هذا ، أسمع كلامكم وأبصر أعمالكم ، فأنصتوا إلى ، فإنما هي صحفكم وأعمالكم {[75667]} تقرأ عليكم ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك {[75668]} فلا [ يلم ] {[75669]} إلا نفسه .
قال ثم يأمر الله جل وعز جهنم فيخرج منها عنق ساطع [ مظلم ] {[75670]} يقول {[75671]} : ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين ، وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ) إلى قوله ( المجرمون ) {[75672]} فيتميز {[75673]} الناس ويجثون ، [ وهي ] {[75674]} التي يقول الله تعالى جل ذكره : ( وترى كل أمة جاثية ، كل أمة تدعى إلى كتابها ) إلى ( تعملون ) {[75675]} .
قال : فيقضي الله جل ثناؤه بين خلقه الجن والإنس والبهائم ، فإنه [ ليقيد ] {[75676]} يومئذ للجماء من ذات {[75677]} القرن {[75678]} ، حتى إذا لم تبق تبعة عند واحدة لأخرى {[75679]} ، قال الله تعالى : كوني ترابا . فعند ذلك يقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا ! [ قال ] {[75680]} ثم يقضي الله جل ذكره بين الجن والإنس {[75681]} .
ووقع [ التكرير ] {[75682]} في ( دكا دكا ) و ( صفا صفا ) على معنى : دكا ( بعد دكا ) {[75683]} . [ وصفا ] {[75684]} بعد صف .