التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلۡمَلَكُ صَفّٗا صَفّٗا} (22)

وأما قوله تعالى : { والملك صفّاً صفّاً } ف { صفّاً } الأول حال من { الملك } .

و{ صَفّاً } الثاني لم يختلف المفسرون في أنه من التكرير المراد به الترتيب والتصنيف ، أي صفّاً بعد صفِّ ، أو خَلْفَ صفّ ، أو صنفاً من الملائكة دون صنف ، قيل : ملائكة كل سَماء يكونون صفّاً حول الأرض على حدة .

قال الرضي وأما تكرير المنكَّر في قولك ، قرأت الكتاب سورةً سورةً ، وقوله تعالى : { وجاء ربك والملك صفاً صفاً } فليس في الحقيقة تأكيداً إذ ليس الثاني لتقرير ما سبق بل هو لتكرير المعنى لأن الثاني غير الأول معنى . والمعنى : جميع السور وصفوفاً مختلفة ا ه . وشذّ من المفسرين من سكت عنه . ولا يحتمل حمله على أنه مفعول مطلق مؤكد لعامله إذ لا معنى للتأكيد .

وإسناد المجيء إلى الله إما مجاز عقلي ، أي جاء قضاؤه ، وإما استعارة بتشبيه ابتداء حسابه بالمجيء .

وأما إسناده إلى الملَك فإما حقيقةٌ ، أو على معنى الحضور وأيًّا مَّا كان فاستعمال ( جاء ) من استعمال اللفظ في مجازه وحقيقته ، أو في مَجَازَيْه .

و { الملَك } : اسم جنس وتعريفه تعريف الجنس فيرادفه الاستغراق ، أي والملائكة .

والصف : مصدر صَفَّ الأشْياءَ إذا جعل الواحد حذو الآخر ، ويطلق على الأشياء المصفوفة ومنه قوله تعالى : { إن اللَّه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً } [ الصف : 4 ] وقوله : { فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفاً } في سورة طه ( 64 ) .