تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَخۡرِجُوهُم مِّن قَرۡيَتِكُمۡۖ إِنَّهُمۡ أُنَاسٞ يَتَطَهَّرُونَ} (82)

أي : ما أجابوا لوطًا إلا أن هَموا بإخراجه ونفيه ومن معه [ من المؤمنين ]{[11953]} من بين أظهرهم ، فأخرجه الله تعالى سالما ، وأهلكهم في أرضهم صاغرين مهانين .

وقوله تعالى : { إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } قال قتادة ، عابوهم بغير عيب .

وقال مجاهد : { إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } من أدبار الرجال وأدبار النساء . ورُوي مثله عن ابن عباس أيضًا .


[11953]:زيادة من أ.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَخۡرِجُوهُم مِّن قَرۡيَتِكُمۡۖ إِنَّهُمۡ أُنَاسٞ يَتَطَهَّرُونَ} (82)

وقرأ الجمهور «جوابَ » بالنصب ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «جوابُ » بالرفع ، ولم تكن مراجعة قومه باحتجاج منهم ولا بمدافعة عقلية وإنما كانت بكفر وصرامة وخذلان بحت في قولهم { أخرجوهم } وتعليلهم الإخراج بتطهير المخرجين ، والضمير عائد على «لوط » وأهله وإن كان لم يجر لهم ذكر فإن المعنى يقتضيهم ، وروي أنه لم يكن معه غير ابنتيه وعلى هذا عني في الضمير هو وابنتاه ، و { يتطهرون } معناه يتنزهون عن حالنا وعادتنا ، قال مجاهد معناه { يتطهرون } عن أدبار الرجال والنساء ، قال قتادة : عابوهم بغير عيب وذموهم بغير ذم ، والخلاف في أهله حسبما تقدم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَخۡرِجُوهُم مِّن قَرۡيَتِكُمۡۖ إِنَّهُمۡ أُنَاسٞ يَتَطَهَّرُونَ} (82)

عطفت جملة : { وما كان جواب قومه } على جملة : { قال لقومه } [ الأعراف : 80 ] . والتّقدير : وإذ ما كان جواب قومه إلاّ أن قالوا إلخ ، والمعنى : أنّهم أفحموا عن ترويج شنعتهم والمجادلة في شأنها ، وابتدروا بالتّآمر على إخراج لوط عليه السّلام وأهله من القرية ، لأنّ لوطاً عليه السّلام كان غريباً بينهم وقد أرادوا الاستراحة من إنكاره عليهم شأن من يشعرون بفساد حالهم ، الممنوعين بشهواتهم عن الإقلاع عن سيّئاتهم ، المصمّمين على مداومة ذنوبهم ، فإنّ صدورهم تضيق عن تحمّل الموعظة ، وأسماعهم تصمّ لقبولها ، ولم يزل من شأن المنغمسين في الهوى تجهّم حلول من لا يشاركهم بينهم .

والجواب : الكلام الذي يقابل به كلام آخر : تقريراً ، أو ردّاً ، أو جزاء .

وانتصب قوله : { جواب } على أنّه خبر ( كان ) مقدّم على اسمها الواقععِ بعد أداة الاستثناء المفرغ ، وهذا هو الاستعمالُ الفصيحُ في مثل هذا التّركيب ، إذا كان أحد معمولي كان مصدراً منسبكاً من ( أنْ ) والفعلِ كما تقدّم في سورة آل عمران وسورة الأنعام ، ولذلك أجمعت القرءات المشهورة على نصب المعمول الأوّل .

والضّمير المنصوب في قوله : { أخرجوهم } عائد على محذوف عُلم من السّياق ، وهم لوط عليه السّلام وأهلُه : وهم زوجُه وابنتاه .

وجملة : { إنهم أناس يتطهرون } علّة للأمر بالإخراج ، وذلك شأن ( إنّ ) إذا جاءت في مقام لا شكّ فيه ولا إنكار ، بل كانت لمجرّد الاهتمام فإنَّها تفيد مُفاد فاء التّفريع وتدلّ على الربط والتّعليل .

والتّطهر تكلّف الطّهارة ، وحقيقتُها النّظافة ، وتطلق الطّهارة مجازاً على تزكية النّفس والحذر من الرذائل وهي المراد هنا ، وتلك صفة كمال ، لكن القوم لمّا تمرّدوا على الفسوق كان يعُدّون الكمال منافراً لطباعهم ، فلا يطيقون معاشرة أهل الكمال ، ويذمّون ما لهم من الكمالات فيُسمّونها ثقلاً ، ولذا وصَفُوا تنزه لوط عليه السّلام وآله تطهّراً ، بصيغة التكلّف والتصنُّع ، ويجوز أن يكون حكاية لما في كلامهم من التّهكّم بلوط عليه السّلام وآلِه ، وهذا من قلب الحقائق لأجل مشايعة العوائد الذّميمة ، وأهل المجون والانخلاع ، يسمّون المتعفّف عن سيرتهم بالتّائب أو نحو ذلك ، فقولهم : { إنّهم أناس يتطهرّون } قصدوا به ذمّهم .

وهُم قد علموا هذا التّطهر من خلق لوط عليه السّلام وأهله لأنّهم عاشروهم ، ورأوا سِيرتهم ، ولذلك جيء بالخبر جملة فعليّة مضارعيّة لدلالتها على أنّ التّطهر متكرّر منهم ، ومتجدّد ، وذلك أدعَى لمنافِرتهم طباعهم والغضب عليهم وتجهّم إنكار لوط عليه السّلام عليهم .