نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَخۡرِجُوهُم مِّن قَرۡيَتِكُمۡۖ إِنَّهُمۡ أُنَاسٞ يَتَطَهَّرُونَ} (82)

ولما كان كأنه قيل : هذا التقريع يوجب غاية الاستحياء ، بل إنه يذهب كل من سمعه منهم إلى مكان لا يعرف فيه ستراً لحاله{[32664]} ، فيا ليت شعري ما كان حالهم عنده ! فقيل : كان كأنهم{[32665]} أجابوه بوقاحة عظيمة وفجور زائد على الحد ، فما كان جوابهم إلا أذى لوط عليه السلام وآله بما{[32666]} استحقوا منهم به شديد الإنذارالذي هو مقصود السورة ، عطف عليه{[32667]} قوله : { وما كان جواب قومه } أي الذين كانوا هم{[32668]} أهل قوة شديدة وعزم عظيم وقدرة على القيام بما يحاولونه { إلا أن قالوا } .

ولما كان المقصود بيان أنهم أسرعوا إجابته بما ينكيه أضمر ما لا يشكل بالإضمار ، أو أنه لما كان السياق لبيان الخبيث بين أنه لا أخبث من هؤلاء الذين بلغ من رذالتهم أنهم عدوا الطاهرين المتطهرين مما يصان اللسان عن ذكره{[32669]} فقال تعالى مشيراً إلى ذلك في حكاية قولهم{[32670]} : { أخرجوهم } أي المحدث عنهم ، وهم لوط ومن انضم إليه { من قريتكم } والمراد ببيان الإسراع في هذا تسلية النبي صلى الله عليه وسلم من{[32671]} رد قومه لكلامه لئلا يكون في صدره حرج من إنذارهم ، ثم عللوا{[32672]} إخراجهم بقولهم : { إنهم أناس } أي ضعفاء { يتطهرون* } وكأنهم قصدوا بالتفعل نسبتهم إلى محبة{[32673]} هذا الفعل القبيح ، وأن تركهم له إنما هو تصنع وتكليف لنفوسهم بردها عما هي مائلة إليه ، وإقبال على الطهر من غير وجهه{[32674]} وإظهار له رياء بما أشار إليه إظهار تاء التفعيل ، وفيه مع ذلك حرف من السخرية ، وحصر{[32675]} جوابهم في هذا المعنى المؤدي بهذا اللفظ لا ينافي آية العنكبوت القائلة

{ فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله }{[32676]} ، لأن إطلاق الجواب على هذا يجوز ، والمعنى : فما كان قولهم في جوابه إلا إتيانهم بما لا يصلح جواباً ، وذلك مضمون هذا القول وغيره مما لا يتعلق بالجواب ، أو أن هذا الجواب لما كان - لما فيه من التكذيب والإيذان بالإصرار والإغلاظ لرسول الله صلى الله عليه وسلم - مستلزماً للعذاب ، كانوا كأنهم نطقوا به فقالوا { ائتنا بعذاب الله } ، جعل نطقهم بالسبب نطقاً بالمسبب ، أو أنهم استعملوا لكل مقام مقالاً ، ويؤيده أن المعنى لما اتحد هنا وفي النمل حصر الجواب في هذا ، أي فما كان جوابهم لهذا القول إلا هذا ؛ ولما زادهم في العنكبوت في التقريع فقال :{ أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر }{[32677]} أتوه بأبلغ من هذا تكذيباً واستهزاء فقالوا { ائتنا بعذاب الله } - الآية .


[32664]:- في ظ: مما.
[32665]:- زيد ما بين الحاجزين من ظ.
[32666]:- في ظ: فيه.
[32667]:في ظ: علل.
[32668]:- العبارة من هنا إلى "من السخرية" ساقطة من ظ.
[32669]:- زيد ما بين الحاجزين من ظ.
[32670]:-زيد ما بين الحاجزين من ظ.
[32671]:في ظ: فيه.
[32672]:- في ظ: علل.
[32673]:- زيد ما بين الحاجزيم من ظ.
[32674]:- في ظ: حضرهم.
[32675]:- آية 29.
[32676]:- من ظ، وفي الأصل: سبب.
[32677]:- آية 29.