تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَوۡمَ لَا تَمۡلِكُ نَفۡسٞ لِّنَفۡسٖ شَيۡـٔٗاۖ وَٱلۡأَمۡرُ يَوۡمَئِذٖ لِّلَّهِ} (19)

ثم فسره بقوله : { يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ }أي : لا يقدر واحد{[29825]} على نفع أحد ولا خلاصه مما هو فيه ، إلا أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى .

ونذكر هاهنا حديث : " يا بني هاشم ، أنقذوا أنفسكم من النار ، لا أملك لكم من الله شيئا " . وقد تقدم في آخر تفسير سورة " الشعراء " ؛ ولهذا قال : { وَالأمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } كقوله { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] ، وكقوله : { الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ } [ الفرقان : 26 ] ، وكقوله { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } [ الفاتحة : 4 ] .

قال قتادة : } يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ والأمر - والله - اليوم لله ، ولكنه يومئذ لا ينازعه أحد .

آخر تفسير سورة " الانفطار " ولله الحمد .


[29825]:- (3) في أ: "أحد".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَوۡمَ لَا تَمۡلِكُ نَفۡسٞ لِّنَفۡسٖ شَيۡـٔٗاۖ وَٱلۡأَمۡرُ يَوۡمَئِذٖ لِّلَّهِ} (19)

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن أبي إسحاق وعيسى وابن جندب : «يومُ لا تملك » برفع الميم من «يومُ » على معنى هو يوم ، وقرأ الباقون والحسن وأبو جعفر وشيبة والأعرج : «يومَ » بالنصب على الظرف ، والمعنى : الجزاء يوم فهو ظرف في معنى خبر الابتداء ، ثم أخبر تعالى بضعف الناس يومئذ وأنه لا يغني بعضهم عن بعض وأن الأمر له تبارك وتعالى ، وقال قتادة كذلك : هو اليوم ولكنه هنالك لا ينازعه أحد ولا يمكن هو أحداً في شيء منه كما يمكنه في الدنيا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَوۡمَ لَا تَمۡلِكُ نَفۡسٞ لِّنَفۡسٖ شَيۡـٔٗاۖ وَٱلۡأَمۡرُ يَوۡمَئِذٖ لِّلَّهِ} (19)

{ يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً } .

في هذا بيان للتهويل العظيم المجمل الذي أفاده قوله : { وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين } [ الانفطار : 17 ، 18 ] إذ التهويل مشعر بحصول ما يخافه المهوَّل لهم فاتبع ذلك بزيادة التهويل مع التأييس من وجدان نصير أو معين .

وقرأه الجمهور بفتح { يوم } فيجوز أن يجعل بدلاً مطابقاً ، أو عطف بيان من { يومُ الدين } المرفوع ب { ما أدراك } وتجعل فتحتُه فتحةَ بناء لأن اسم الزمان إذا أضيف إلى جملة فعلية وكان فعلها معرباً جاز في اسم الزمان أن يبنى على الفتح وأن يعرب بحسب العوامل .

ويجوز أيضاً أن يكون بدلاً مطابقاً من { يوم الدين } المنصوب على الظرفية في قوله : { يَصلونها يومَ الدين } [ الانفطار : 15 ] ، ولا يفوت بيان الإِبهام الذي في قوله : { وما أدراك ما يوم الدين } [ الانفطار : 17 ] لأن { يومُ الدين } المرفوع المذكور ثانياً هو عين { يوم الدين } المنصوب أولاً ، فإذا وقع بيان للمذكور أولاً حصل بيان المذكور ثانياً إذ مدلولهما يوم متّحد .

وقرأه ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب مرفوعاً ، فيتعين أن يكون بدلاً أو بياناً من { يوم الدين } الذي في قوله : { وما أدراك ما يوم الدين } .

ومعنى { لا تملك نفس لنفس شيئاً } : لا تقدر نفس على شيء لأجل نفس أخرى ، أي لنَفعها ، لأن شأن لام التعليل أن تدخل على المنتفِع بالفعل عكسَ ( على ) ، فإنها تدخل على المتضرر كما في قوله تعالى : { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } [ البقرة : 286 ] ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { وما أملك لك من اللَّه من شيء } في سورة الممتحنة ( 4 ) .

وعموم { نفس } الأولى والثانية في سياق النفي يقتضي عموم الحكم في كل نفس .

و { شيئاً } اسم يدل على جنس الموجود ، وهو متوغل في الإِبهام يفسره ما يقترن به في الكلام من تمييز أو صفة أو نحوهما ، أو من السياق ، ويبينه هنا ما دلّ عليه فعل { لا تملك } ولام العلة ، أي شيئاً يغني عنها وينفعها كما في قوله تعالى : { وما أغني عنكم من اللَّه من شيء } في سورة يوسف ( 67 ) ، فانتصب { شيئاً } على المفعول به لفعل { لا تملك } ، أي ليس في قدرتها شيء ينفع نفساً أخرى .

وهذا يفيد تأييس المشركين من أن تنفعهم أصنامهم يومئذ كما قال تعالى : { وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء } [ الأنعام : 94 ] .

{ والأمر يَوْمَئِذٍ لله } .

وجملة { والأمر يومئذ للَّه } تذييل ، والتعريف في { الأمر } للاستغراق . والأمر هنا بمعنى : التصرف والإِذن وهو واحد الأوامِر ، أي لا يأمر إلا الله ويجوز أن يكون الأمر مرادفاً للشيء فتغيير التعبير للتفنن .

والتعريف على كلا الوجهين تعريف الجنس المستعمل لإِرادة الاستغراق ، فيعم كل الأمور وبذلك العموم كانت الجملة تذييلاً .

وأفادت لام الاختصاص مع عموم الأمر أنه لا أمر يومئذ إلا لله وحده لا يصدر من غيره فعل ، وليس في هذا التركيب صيغة حصر ولكنه آيل إلى معنى الحصر على نحو ما تقدم في قوله تعالى : { الحمد للَّه } [ الفاتحة : 2 ] .

وفي هذا الختام رد العجز على الصدر لأن أول السورة ابتدىء بالخبر عن بعض أحوال يوم الجزاء وختمت السورة ببعض أحواله .