اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَوۡمَ لَا تَمۡلِكُ نَفۡسٞ لِّنَفۡسٖ شَيۡـٔٗاۖ وَٱلۡأَمۡرُ يَوۡمَئِذٖ لِّلَّهِ} (19)

قوله : { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ } .

قرأ ابن كثير وأبو عمرو{[59542]} : برفع «يومُ » على أنَّه خبر مبتدأ مضمر أي : هو يوم .

وجوز الزمخشريُّ{[59543]} : أن يكون بدلاً مما قبله يعني قوله : «يوم الدَِّين » .

وقرأ أبو عمرو{[59544]} في رواية : «يومٌ » : مرفوعاً منوناً على قطعه عن الإضافة ، وجعل الجملة نعتاً له ، والعائد محذوف ، أي : لا تملك فيه .

وقرأ الباقون : «يوم » بالفتح .

فقيل : هي فتحة إعراب ، ونصبه بإضمار أعني ، أو يتجاوزون ، أو بإضمار اذكر ، فيكون مفعولاً به ، وعلى رأي الكوفيين يكون خبراً لمبتدأ مضمر ، وإنَّما بني لإضافته للفعل وإن كان معرباً ، كقوله تعالى : { هذا يَوْمُ يَنفَعُ } [ المائدة : 119 ] .

قال الزجاج : يجوز أن يكون في موضع رفع إلا أنه يبنى على الفتح ؛ لإضافته إلى قوله تعالى : { لاَ تَمْلِكُ } ، وما أضيف إلى غير المتمكن ، فقد يبنى على الفتح ، وإن كان في موضع رفع ، أو جرٍّ كما قال : [ المنسرح ]

5125- لَمْ يَمْنَعِ الشُّربَ غير أن نَطقتْ *** حَمامَةٌ *** . . . {[59545]}

قال الواحدي : والذي ذكره الزجاج من البناء على الفتح ، إنَّما يجوز عند الخليل وسيبويه إذا كانت الإضافة إلى الفعل الماضي ؛ نحو قوله : [ الطويل ]

5126- عَلَى حِينَ عَاتَبْتُ *** . . . {[59546]}

البيت : أمَّا مع الفعل المستقبل ، فلا يجوز البناء عندهم ، ويجوز البناء في قول الكوفيين .

قال ابن الخطيب{[59547]} : وذكر أبو عليٍّ أنَّه منصوبٌ على الظرفية ؛ لأن اليوم لما جرى في أكثر الأمر ظرفاً ، فنزل على حالة الأكثرية ، والدليلُ عليه إجماع القراء في قوله تعالى : { مِّنْهُمُ الصالحون وَمِنْهُمْ دُونَ ذلك } [ الأعراف : 168 ] ، ولا يدفع ذلك أحد ، ومما يقوِّي النصب قوله تعالى : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا القارعة يَوْمَ يَكُونُ الناس } [ القارعة : 3 ، 4 ] ، وقوله تعالى : { يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدين يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ } [ الذاريات : 12 ، 13 ] ، فالنصب في «يَوْمَ لا تَمْلِكُ » مثل هذا .

فصل فيمن استدل بالآية على نفي الشفاعة عن العصاة .

تمسَّكوا بهذه الآية في نفي الشفاعة للعصاة ، وهو قوله تعالى : { واتقوا يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً } [ البقرة : 48 ] وقد تقدم الجواب عنه في سورة البقرة .

قال مقاتلٌ : يعني النفس الكافرة شيئاً من المنفعة{[59548]} .

{ والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } أي : لم يملِّك الله - تعالى - في ذلك اليوم أحداً شيئاً كما ملَّكهم في الدنيا .

ختام السورة:

ورى الثعلبي عن أبيٍّ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ قَرَأ { إِذَا السمآء انفطرت } أعْطَاهُ الله مِنَ الأجْرِ بعدَدِ كُلِّ قَبْرٍ حَسَنةً ، وبِعددِ كُلِّ قَطْرة مَاءٍ حَسنةً ، وأصْلحَ اللهُ تعالى لَهُ شَأنهُ »{[1]} ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[59542]:ينظر: السبعة 674، والحجة 6/383، وإعراب القراءات 2/449، وحجة القراءات 753.
[59543]:ينظر: الدر المصون 6/489.
[59544]:ينظر الكشاف 4/753.
[59545]:تقدم.
[59546]:تقدم.
[59547]:ينظر الفخر للرازي 31/79.
[59548]:ينظر: القرطبي (19/163).