تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا يَتَمَنَّوۡنَهُۥٓ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (7)

قال الله تعالى : { وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } أي : بما يعلمون لهم{[28818]} من الكفر والظلم والفجور ، { وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ } وقد قدمنا في سورة " البقرة " الكلام على هذه المباهلة لليهود ، حيث قال تعالى : { قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } [ البقرة : 94 - 96 ] وقد أسلفنا الكلام هناك وبينا أن المراد أن يدعوا على الضال{[28819]} من أنفسهم أو خصومهم ، كما تقدمت مباهلة النصارى في آل عمران : { فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } [ آل عمران : 61 ] ومباهلة المشركين في سورة مريم : { قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا } [ مريم : 75 ]

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن يزيد الرقي أبو يزيد ، حدثنا فرات ، عن{[28820]} عبد الكريم بن مالك الجزري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال أبو جهل لعنه الله : إن رأيتُ محمدا عند الكعبة لآتينَّه حتى أطأ على عُنُقه . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو فعل لأخذَته الملائكة عيانًا ، ولو أن اليهود تَمَنَّوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من{[28821]} النار . ولو خرج الذين يُباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا .

رواه البخاري والترمذي ، والنسائي ، من حديث عبد الرزاق عن معمر ، عن عبد الكريم ، [ به ] {[28822]} {[28823]} قال البخاري : " وتبعه{[28824]} عمرو بن خالد ، عن عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم " . ورواه النسائي ، أيضا عن عبد الرحمن بن عبد الله الحلَبِي ، عن عبيد الله بن عمرو الرقي ، به أتم{[28825]}


[28818]:- (1) في أ: "هم".
[28819]:- (2) في م: "الضلال".
[28820]:- (3) في م: "بن".
[28821]:- (4) في أ: "في".
[28822]:- (5) زيادة من أ.
[28823]:- (6) المسند (1/248) وصحيح البخاري برقم (4958) وسنن الترمذي برقم (3348) وسنن النسائي الكبرى برقم (11685).
[28824]:- (7) في م، أ: "وتابعه".
[28825]:- (8) سنن النسائي الكبرى برقم (11061).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا يَتَمَنَّوۡنَهُۥٓ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (7)

أخبر تعالى عنهم بأنهم لا يتمنونه ولا يلقونه إلا كرهاً لعلمهم بسوء حالهم عند الله وبعدهم منه . هذا هو المعنى اللازم من ألفاظ الآية ، وروى كثير من المفسرين أن الله تعالى جعل هذه الآية معجزة لمحمد صلى الله عليه وسلم فيهم ، وآية باهرة ، وأعلمه أنه إن تمنى أحد منهم الموت في أيام معدودة مات وفارق الدنيا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تمنوا الموت » على جهة التعجيز وإظهار الآية ، فما تمناه أحد خوفاً من الموت ، وثقة بصدق محمد صلى الله عليه وسلم{[11092]} .


[11092]:عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أبا جهل قال: إن رأيت محمدا عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على عنقه، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لو فعل لأخذته الملائكة عيانا، ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا)، أخرجه الإمام أحمد، والبخاري، والترمذي، والنسائي.