تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱمۡرَأَتَ فِرۡعَوۡنَ إِذۡ قَالَتۡ رَبِّ ٱبۡنِ لِي عِندَكَ بَيۡتٗا فِي ٱلۡجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرۡعَوۡنَ وَعَمَلِهِۦ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (11)

وهذا مَثَلٌ ضربه الله للمؤمنين أنهم لا تضرهم مخالطة الكافرين إذا كانوا محتاجين إليهم ، كما قال تعالى : { لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً } [ آل عمران : 28 ] .

قال : قتادة كان فرعون أعتى أهل الأرض وأبعده فوالله ما ضر امرأته كُفر زوجها حين أطاعت ربها لتعلموا أن الله حَكَمٌ عدل ، لا يؤاخذ أحدًا إلا بذنبه .

وقال ابن جرير : حدثنا إسماعيل بن حفص الأبُليّ ، حدثنا محمد بن جعفر ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي{[29083]} عن سلمان قال : كانت امرأة فرعون تُعَذَّب في الشمس ، فإذا انصرف عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها ، وكانت ترى بيتها في الجنة .

ثم رواه عن محمد بن عبيد المحاربي عن أسباط بن محمد ، عن سليمان التيمي ، به{[29084]} .

ثم قال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن عُلَيَّة ، عن هشام الدَّسْتُوَائي ، حدثنا القاسم بن أبي بَزَّة قال : كانت امرأة فرعون تسأل : من غلب ؟ فيقال : غلب موسى وهارون . فتقول : آمنت برب موسى وهارون ، فأرسل إليها فرعون فقالت : انظروا أعظم صخرة تجدونها ، فإن مضت على قولها فألقوها عليها ، وإن رجعت عن قولها فهي امرأته ، فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء فأبصرت بيتها في الجنة ، فمضت على قولها ، وانتزع روحها ، وألقيت الصخرة على جسد ليس فيه روح{[29085]} .

فقولها : { رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ } قال العلماء : اختارت الجار قبل الدار . وقد ورد شيء من ذلك في حديث مرفوع ، { وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ } أي : خلصني منه ، فإني أبرأ [ إليك ]{[29086]} من عمله ، { وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } وهذه المرأة هي آسية بنت مزاحم ، رضي الله عنها .

وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية قال : كان إيمانُ امرأة فرعونَ من قبل إيمان امرأة خازن فرعون ، وذلك أنها جلست تمشط ابنة فرعون ، فوقع المشط من يدها ، فقالت تعس من كفر بالله ؟ فقالت لها ابنة فرعون : ولك رب غير أبي ؟ قالت : ربي ورب أبيك ورب كل شيء اللهُ . فلطمتها بنتُ فرعونَ وضربتها ، وأخبرت أباها ، فأرسل إليها فرعون فقال : تعبدين ربا غيري ؟ قالت : نعم ، ربي وربك ورب كل شيء الله . وإياه أعبد فعذبها فرعون وأوتد لها أوتادًا فشد رجليها ويديها وأرسل عليها الحيات ، وكانت كذلك ، فأتى عليها يومًا فقال لها : ما أنت منتهية ؟ فقالت له : ربي وربك وربُ كل شيء الله . فقال لها : إني ذابح ابنك في فيك إن لم تفعلي . فقالت له : اقض ما أنت قاض . فذبح ابنها في فيها ، وإن روح ابنها بشرها ، فقال لها : أبشري يا أمه ، فإن لك عند الله من الثواب كذا وكذا . فصبرت ثم أتى [ عليها ]{[29087]} فرعون يومًا آخر فقال لها مثل ذلك ، فقالت له ، مثل ذلك ، فذبح ابنها الآخر في فيها ، فبشرها روحه أيضًا ، وقال لها . اصبري يا أمه فإن لك عند الله من الثواب كذا وكذا . قال : وسمعت امرأة فرعون كلامَ روح ابنها الأكبر ثم الأصغر ، فآمنت امرأةُ فرعونَ ، وقبض الله روح امرأة خازن فرعون ، وكشف الغطاء عن ثوبها ومنزلتها وكرامتها في الجنة لامرأة فرعون حتى رأت فازدادت إيمانًا ويقينًا وتصديقًا ، فاطَّلع فرعون على إيمانها ، فقال للملأ ما تعلمون من آسية بنت مزاحم ؟ فأثنوا عليها ، فقال لهم : إنها تعبد غيري . فقالوا له : اقتلها . فأوتد لها أوتادًا فشد يديها ورجليها ، فدعت آسية ربها فقالت : { رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ } فوافق ذلك أن حضرها ، فرعون فضحكت حين رأت بيتها في الجنة ، فقال فرعون : ألا تعجبون من جنونها ، إنا نعذبها وهي تضحك ، فقبض الله روحها ، رضي الله عنها{[29088]} .


[29083]:- (1) في أ: "الترمذي".
[29084]:- (2) تفسير الطبري (28/110).
[29085]:- (3) تفسير الطبري (28/110).
[29086]:- (4) زيادة من م، أ.
[29087]:- (5) زيادة من م.
[29088]:- (1) رواه الطبري في تفسيره (28/10).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱمۡرَأَتَ فِرۡعَوۡنَ إِذۡ قَالَتۡ رَبِّ ٱبۡنِ لِي عِندَكَ بَيۡتٗا فِي ٱلۡجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرۡعَوۡنَ وَعَمَلِهِۦ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (11)

{ امرأة فرعون } اسمها آسية وقولها : { وعمله } معناه وكفره ، وما هو عليه من الضلالة ، وهذا قول كافة المفسرين ، وقال جمهور من المفسرين : معناه من ظلمه وعقابه وتعذيبه لي ، وروي في هذا أن فرعون اتصل به إيمانها بموسى ، وأنها تحب أن يغلب ، فبعث إليها قوماً ، وقال : إن رأيتم منها ذلك فابطحوها في الأرض ووتدوا يديها ورجليها وألقوا عليها أعظم حجر ، وإن لم تروا ذلك فهي امرأتي . قال ، فذهب القوم فلما أحست بالشر منهم دعت بهذه الدعوات فقبض الله روحها وصنع أولئك أمر الحجر بشخص لا روح فيه ، وروي في قصصها غير هذا مما يطول ذكره ، فاختصره لعدم صحته . وقال آخرون في كتاب النقاش : { وعمله } كناية عن الوطء والمضاجعة . وهذا ضعيف .