فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱمۡرَأَتَ فِرۡعَوۡنَ إِذۡ قَالَتۡ رَبِّ ٱبۡنِ لِي عِندَكَ بَيۡتٗا فِي ٱلۡجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرۡعَوۡنَ وَعَمَلِهِۦ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (11)

{ وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون } هي آسية بنت مزاحم قيل : إنها إسرائيلية وإنها عمة موسى ، وقيل : إنها ابنة عم فرعون ، وإنها من العمالقة ، وكانت ذات فراسة صادقة آمنت بموسى عليه السلام فعذّبها فرعون بالأوتاد الأربعة ، والكلام في هذا كالكلام في المثل الذي قبله ، أي جعل الله حال امرأة فرعون مثلا لحال المؤمنين ترغيبا لهم في الثبات على الطاعة ، والتمسك بالدين ، والصبر في الشدة ، وأن وصلة الكفر لا تضرهم ، كما لا تضر امرأة فرعون ، وقد كانت تحت أكفر الكافرين ، وصارت بإيمانها بالله في جنات النعيم ، وفيه دليل على أن وصلة الكفرة لا تضر مع الإيمان .

{ إذ } ظرف لمثلا أو لضرب { قالت : رب ابن لي عندك } حال من ضمير المتكلم أو من { بيتا } لتقدمه عليه وقوله : { في الجنة } بدل أو إلى عطف بيان لقوله : عندك ، أو متعلق بقوله : ابن ، وقدم عندك هنا للإشارة إلى قولهم : الجار قبل الدار ، ومعناه بيتا قريبا من رحمتك أو في أعلى درجات المقربين منك ، أو في مكان لا يتصرف فيه إلا بإذنك وهو الجنة .

{ ونجني من فرعون وعمله } أي من ذاته الخبيثة وشركه ، وما يصدر عنه من أعمال الشر ، وقال ابن عباس : عمله يعني جماعة ، وعن سلمان قال : كانت امرأة فرعون تعذب بالشمس ، فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها ، وكانت ترى بيتها في الجنة ، وعن أبي هريرة أن فرعون وتد لامرأته أربعة أوتاد ، وأضجعها ، وجعل على صدرها رحى ، واستقبل بها عين الشمس ، فرفعت رأسها إلى السماء فقالت : رب ابن لي عندك بيتا في الجنة إلى قوله : { ونجني من القوم الظالمين } ففرج الله لها عن بيتها في الجنة فرأته ، وقبض الله روحها ، قال الكلبي هم أهل مصر ، وقال مقاتل : هم القبط ، قال الحسن وابن كيسان : نجاها الله أكرم نجاة ، ورفعها إلى الجنة ، فهي تأكل وتشرب ، وفيه دليل على أن الاستعاذة بالله والالتجاء إليه ومسألة الخلاص منه عند المحن والنوازل من سير الصالحين ، وديدن المؤمنين بيوم الدين .