اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱمۡرَأَتَ فِرۡعَوۡنَ إِذۡ قَالَتۡ رَبِّ ٱبۡنِ لِي عِندَكَ بَيۡتٗا فِي ٱلۡجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرۡعَوۡنَ وَعَمَلِهِۦ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (11)

قوله : { وَضَرَبَ الله مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ امرأة فِرْعَوْنَ } .

واسمها آسية بنت مزاحم .

قال يحيى بن سلام : قوله : { ضَرَبَ الله مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } مثل ضربه الله يحذر به عائشة ، وحفصة في المخالفة حين تظاهرتا عليه صلى الله عليه وسلم ثم ضرب الله لهما مثلاً بامرأة فرعون ومريم ابنة عمران ترغيباً في التمسك بالطاعة ، والثبات على الدين .

وقيل : هذا حث للمؤمنين على الصبر في الشدة ، أي : لا تكونوا في الصبر عند الشدة أضعف من امرأة فرعون حين صبرت على أذى فرعون .

قال المفسرون : لما غلب موسى السحرة آمنت امرأةُ فرعون .

وقيل : هي عمة موسى آمنت به ، فلما تبين لفرعون إسلامها أوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد ، وألقاها في الشمس ، وألقى عليها صخرة عظيمة ، فقالت : «ربِّ نَجِّنِي مِنْ فرعَونَ وعمله » . فرمى بروحها في الجنة ، فوقعت الصخرة على جسد لا روح فيه .

وقال الحسنُ : رفعها تأكل في الجنة ، وتشرب{[57271]} .

قال سلمان الفارسي : كانت امرأة فرعون تعذب في الشمس ، فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة{[57272]} .

قوله : { إذْ قَالَتْ رَبِّ } .

منصوب ب «ضرب » ، وإن تأخر ظهور الضرب .

ويجوز أن ينتصب بالمثل .

قوله : { عِندَكَ } .

يجوز تعلقه ب «ابْنِ » ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من «بَيْتاً » كان نعته فلما قدم نصب حالاً .

و { فِي الجنة } .

إما متعلق ب «ابْنِ » وإما بمحذوف على أنه نعت ل «بَيْتاً » .

فصل في قصة امرأة فرعون .

قال المفسرون{[57273]} : لما كانت تعذب في الشمس ، وأذاها حرّ الشمس { قَالَتْ : رَبِّ ابن لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الجنة } فوافق ذلك حضور فرعون ، فضحكت حين رأت بيتها في الجنة ، فقال فرعون : لا تَعْجبُوا من جُنُونهَا أنَا أعذِّبُها وهي تضحك ، فقبض رُوحها .

وروي أنه وضع على ظهرها رحى فأطلعها اللَّهُ ، حتى رأت مكانها في الجنَّة ، وانتزع روحها ، فألقيت عليها صخرة بعد خروج روحها فلم تجد ألماً .

وقال الحسن وابن كيسان : رفع الله امرأة فرعون إلى الجنة ، فهي فيها تأكل ، وتشرب ، وتتنعم .

قوله : { وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ } .

تعني بالعمل : الكفر .

وقيل : «من عمله » ، أي : من عذابه وظلمه .

وقال ابن عباس : الجماع{[57274]} .

{ وَنَجِّنِي مِنَ القوم الظالمين } ، أي : الكافرين .

قال الكلبيُّ : أهل «مصر »{[57275]} .

وقال مقاتل : القبط{[57276]} .


[57271]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/132).
[57272]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/162) والحاكم (2/496)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (2/244) رقم (1637) عن سلمان وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/377) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر.
[57273]:ينظر: القرطبي 18/132.
[57274]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/378) وعزاه إلى وكيع في "الغرر".
[57275]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/132).
[57276]:ينظر تفسير القرطبي (18/132).