تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱمۡرَأَتَ فِرۡعَوۡنَ إِذۡ قَالَتۡ رَبِّ ٱبۡنِ لِي عِندَكَ بَيۡتٗا فِي ٱلۡجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرۡعَوۡنَ وَعَمَلِهِۦ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (11)

الآية 11 وقوله تعالى : { وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون } فيه وجهان :

أحدهما ]{[21606]} وجه ضرب المثل بها ، هو أن يعلم المقهور تحت أيدي الكفرة أن لا عذر له في التخلف عن الإيمان بالله تعالى ؛ إذ كانت امرأة فرعون مقهورة تحت يديه ، وكانت بين ظهراني الظلمة ، ولم يمنعها ذلك من الإيمان بالله تعالى ومن التصديق برسوله موسى عليه السلام .

والثاني : أنها لم تشاهد من زوجها ومن القوم بين ظهرانيهم سوى الكفر بالله تعالى .

ثم الله تعالى بلطفه ألهمها الإيمان به فآمنت .

وكانت امرأة نوح { عليه السلام تحت نوح ]{[21607]} ولم تشاهد منه سوى الطاعة والعبادة لربه ، جل وعلا ، ثم لم ينفعها إيمانه وعبادته ليعلم أنه لا ينفع أحدا إسلام أحد ، ولا يضره كفر غيره ، إنما يصير مؤمنا بفعل نفسه { ويصير ]{[21608]} كافر بفعل نفسه .

وقوله تعالى : { ابن لي عندك بيتا في الجنة } وهي لم ترد بقولها : { رب ابن لي عندك بيتا في الجنة } بقيام الوجه الذي عرفت ببناء زوجها وغيره من الخلائق ، وإنما أرادت بقولها { رب ابن لي بيتا في الجنة } أي اخلق لي بيتا في الجنة .

وكذلك لم يفهم أحد { من المشبّهة ]{[21609]} من قوله تعالى : { فنفخنا فيه من روحنا } { التحريم : 12 ] ما فهم الخلق من النفخ في الأشياء ، وإنما فهموا منه {[21610]} الخلق والإنشاء .

فما بال المشبهة فهموا من قوله تعالى : { { ثم استوى على العرش } { الأعراف : 45و . . . . ] ] {[21611]} ما فهموا من الاستواء المضاف إلى الخلق ؟ لولا ضعف اعتقادهم وجهلهم بصانعهم في التحقيق .

ثم الأصل أن تنظر إلى الأسماء التي هي أسماء الأفعال المشتركة في ما بين الخلق ، إذا أضيف شيء منها إلى الله تعالى ، فتعرضها على الأسماء التي هي أسماء الأفعال المخصوصة لله تعالى ، فما أريد بالاسم المخصوص من ذلك ، فذلك المعنى هو المراد بالاسم المشترك .

فالاسم المخصوص بفعل الله تعالى هم الخلق ؛ إذ لا أحد يسمى أحدا من الخلائق خالقا { وإنما يفهم من قوله ]{[21612]}

{ رب ابن لي عندك بيتا في الجنة } أي اخلق لي ، ويفهم من قوله : { فنفخنا فيه من روحنا } الخلق والإنشاء .

والذي يبين أن الأسماء المخصوصة { لا ]{[21613]} يفهم منها ما يفهم { من الأخرى ]{[21614]} قوله تعالى : { هو الذي يسيركم في البر والبحر } { يونس : 22 ] ومعناه : هو الذي خلق سيركم في البر والبحر ، وقوله {[21615]} تعالى : { وهو الذي يحي ويميت } { المؤمنون 80 ]أي يخلق الموت والحياة ، وقوله {[21616]} { يضل من يشاء } أي يخلق الضلال { ويهدي من يشاء } { فاطر : 8 ] أي يخلق هدايته .

ومن حمل الأمر على ما ذكرنا سلم من الشبه كلها ووسواس الشيطان ، وسلم من التشبيه ، والله الموفق .

وفي هذا دلالة إيمانها بالبعث والحساب .

ثم من الجائز أن تكون وصلت إلى علم البعث والحساب بالتلقين أو بنظرها وتفكرها في الحجج والبراهين .

وذكر أهل التفسير أنها قالت ذلك عندما عذبها فرعون ، واختلفوا في صفة العذاب من أوجه ؛ وحق مثله الإمساك عنه { وألا نشتغل بتفسيره ]{[21617]} لما يتوهم من وقوع زيادة فيه{[21618]} أو نقصان على العدد الذي بيّن في الكتب المتقدمة .

وهذه الأشياء جعلت حججا لرسالة نبينا محمد عليه السلام على أهل الكتاب { لما وجدوها موافقة للأنباء التي ذكرت في كتبهم ، وإذا وقع فيها زيادة أو نقصان وجدوا فيه موضع الطعن في رسالته . فلهذا المعنى ما يجب ترك الخوض فيها ]{[21619]} والإعراض عن ذكرها .

وذكر عن الحسن وغيره أنه ما من مؤمن ولا كافر إلا وبني له بيت في الجنة . فإن مات على الإسلام سكن البيت ، وإن قبض كافرا { أورثه غيره ]{[21620]} .

وهذا لا يحتمل لأن الله تعالى إذا علم أنه يموت على الكفر فكيف{[21621]} يبني له ذلك كيلا يسكنه ؟ ومن بنى لنفسه في الشاهد ، وهو يعلم أنه لا يسكنه صار عابثا في فعله ، وجل الله تعالى عن أن يوصف بالعبث .

وقوله تعالى : { ونجني من فرعون وعمله ، ونجني من القوم الظالمين } أي نجّني من شر فرعون وجنوده ومن عمله أي من كفره ؛ فيكون قولها { ونجّني من فرعون } راجعا إلى نفسه ، والآخر { راجعا ]{[21622]} إلى عمله { ونجّني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين } راجعا إلى قومه .

فسألت النجاة منهم جملة/ 581-ب/ لما كانوا يمنعونها عن عبادة الله تعالى ، فكانت تخاف ناحيتهم ، ولا تأمن ، وتخاف منهم ، فسألت النجاة منهم لتصل إلى عبادة ربها .


[21606]:ساقطة من الأصل وم.
[21607]:من،ساقطة من الأصل.
[21608]:ساقطة من الأصل وم.
[21609]:ساقطة من الأصل وم.
[21610]:في الأصل وم: به.
[21611]:ثم في م: {ثم استوى إلى السماء} {البقرة: 29 وفصلت: 11]
[21612]:في الأصل وم: فيفهم بقوله.
[21613]:ساقطة من الأصل وم.
[21614]:في الأصل وم: بالأخرى.
[21615]:في الأصل وم: وقال.
[21616]:في الأصل وم: وقال.
[21617]:في الأصل و م: ولا نشتغل بتفسيرها.
[21618]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل و م.
[21619]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل و م.
[21620]:من م،ساقطة من الأصل.
[21621]:في الأصل و م: فهو.
[21622]:من م، ساقطة من الأصل.