تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞أَفَمَن يَعۡلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ كَمَنۡ هُوَ أَعۡمَىٰٓۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (19)

يقول تعالى : لا يستوي من يعلم من الناس أن الذي { أُنزلَ إِلَيْكَ } يا محمد { مِنْ رَبِّكَ } هوَ { الحق } أي : الذي لا شك فيه ولا مرية ولا لبس فيه ولا اختلاف فيه ، بل هو كله{[15560]} حق يصدق بعضه بعضا ، لا يضاد شيء منه شيئا آخر ، فأخباره كلها حق ، وأوامره ونواهيه عدل ، كما قال تعالى : { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا } [ الأنعام : 115 ] أي : صدقا في الإخبار ، وعدلا في الطلب ، فلا يستوي من تحقق صدق{[15561]} ما جئت به يا محمد ، ومن هو أعمى لا يهتدي إلى خير ولا يفهمه ، ولو فهمه ما انقاد له ، ولا صدقه ولا اتبعه ، كما قال تعالى : { لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ } [ الحشر : 20 ] وقال في هذه الآية الكريمة : { أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى } أي : أفهذا كهذا ؟ لا استواء{[15562]} . وقوله : { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ } أي : إنما يتعظ ويعتبر ويعقل أولو العقول السليمة الصحيحة{[15563]} جعلنا الله منهم [ بفضله وكرمه ] . {[15564]}


[15560]:- في ت ، أ : "كلمة".
[15561]:- في ت ، أ : "صحة".
[15562]:- في ت ، أ : "لا سواء".
[15563]:- في ت : "الصحيحة السليمة".
[15564]:- زيادة من أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞أَفَمَن يَعۡلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ كَمَنۡ هُوَ أَعۡمَىٰٓۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (19)

{ أفمن يعلم أنما أُنزل إليك من ربك الحق } فيستجيب . { كمن هو أعمى } عمى القلب لا يستبصر فيستجيب ، والهمزة لإنكار أن تقع شبهة في تشابههما بعدما ضرب من المثل . { إنما يتذكّر أولو الألباب } ذوو العقول المبرأة عن مشايعة الألف ومعارضة الوهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞أَفَمَن يَعۡلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ كَمَنۡ هُوَ أَعۡمَىٰٓۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (19)

تفريع على جملة { للذين استجابوا لربهم الحسنى } الآية [ سورة الرعد : 13 ] . فالكلام لنفي استواء المؤمن والكافر في صورة الاستفهام تنبيهاً على غفلة الضالّين عن عدم الاستواء ، كقوله : { أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون } [ سورة السجدة : 18 ] .

واستعير لمن لا يعلم أنّ القرآن حق اسمُ الأعمى لأنه انتفى علمه بشيء ظاهر بيّن فأشبه الأعمى ، فالكاف للتشابه مستعمل في التماثل . والاستواء المراد به التماثل في الفضل بقرينة ذكر العَمَى . ولهذه الجملة في المعنى اتصال بقوله في أول السورة { والذي أنزل إليك من ربك الحق إلى يؤمنون } [ سورة الرعد : 1 ] .

وجملة { إنما يتذكر أولوا الألباب } تعليل للإنكار الذي هو بمعنى الانتفاء بأن سبب عدم علمهم بالحق أنهم ليسوا أهلاً للتذكر لأن التذكر من شعار أولي الألباب ، أي العقول .

والقصر ب { إنما } إضافي ، أي لا غيرُ أولي الألباب ، فهو تعريض بالمشركين بأنهم لا عقول لهم إذ انتفت عنهم فائدة عقولهم .

والألباب : العقول . وتقدم في آخر سورة آل عمران .