تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ وَيَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عُقۡبَى ٱلدَّارِ} (22)

{ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ } أي : عن المحارم والمآثم ، ففطموا{[15565]} نفوسهم عن ذلك لله عز وجل ؛ ابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه { وَأَقَامُوا الصَّلاةَ } بحدودها ومواقيتها وركوعها وسجودها{[15566]} وخشوعها على الوجه الشرعي المرضي ، { وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } أي : على الذين يجب عليهم الإنفاق لهم من زوجات وقرابات وأجانب ، من فقراء ومحاويج ومساكين ، { سِرًّا وَعَلانِيَةً } أي : في السر والجهر ، لم يمنعهم من ذلك حال من الأحوال ، في آناء الليل وأطراف النهار ، { وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ } أي : يدفعون القبيح بالحسن ، فإذا آذاهم أحد قابلوه بالجميل صبرا واحتمالا وصفحا وعفوا ، كما قال تعالى : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [ فصلت : 34 ، 35 ] ؛ ولهذا قال مخبرًا عن هؤلاء السعداء المتصفين بهذه الصفات الحسنة بأن لهم عقبى الدار ، ثم فسر ذلك بقوله : { جَنَّاتِ عَدْنٍ } والعدن : الإقامة ، أي : جنات إقامة يخلدون{[15567]} فيها .

وعن عبد الله بن عمرو أنه قال : إن في الجنة قصرا يقال له : " عدن " ، حوله البروج والمروج ، فيه خمسة آلاف باب ، على كل باب خمسة آلاف حِبْرة{[15568]} لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد .

وقال الضحاك في قوله : { جَنَّاتِ عَدْنٍ } مدينة الجنة ، فيها الرسل والأنبياء والشهداء وأئمة الهدى ، والناس حولهم بعد والجنات حولها . رواهما ابن جرير .

وقوله : { وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } أي : يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء والأهلين والأبناء ، ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين ؛ لتقر أعينهم بهم ، حتى إنه{[15569]} ترفع{[15570]} درجة الأدنى إلى درجة الأعلى ، من غير تنقيص لذلك الأعلى عن درجته ، بل امتنانًا من الله وإحسانا ، كما قال تعالى : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شِيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ } [ الطور : 21 ] . {[15571]}-{[15572]} وقوله : { وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } أي : وتدخل عليهم الملائكة من هاهنا وهاهنا للتهنئة بدخول الجنة ، فعند{[15573]} دخولهم إياها تفد عليهم الملائكة مسلمين مهنئين لهم بما حصل لهم من الله من التقريب والإنعام ، والإقامة في دار السلام ، في جوار الصديقين والأنبياء والرسل الكرام .

وقال الإمام أحمد ، رحمه الله : حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثني سعيد بن أبي أيوب ، حدثنا{[15574]} معروف بن سُوَيْد الجذامي عن أبي عشانة المعافري ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، رضي الله عنهما{[15575]} عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " أول من يدخل الجنة من خلق الله الفقراء المهاجرون{[15576]} الذين تُسدُّ بهم الثغور ،

وتُتَّقَى بهم المكاره ، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء ، فيقول الله تعالى لمن يشاء من ملائكته : ائتوهم فحيوهم . فتقول الملائكة : نحن سكان سمائك ، وخيرتك من خلقك ، أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم ؟ قال : إنهم كانوا عبادا يعبدونني لا{[15577]} يشركون بي شيئًا ، وتُسَد{[15578]} بهم الثغور ، وتتقى{[15579]} بهم المكاره ، ويموت أحدهم وحاجته في صدره فلا يستطيع لها قضاء " . قال : " فتأتيهم الملائكة عند ذلك ، فيدخلون عليهم من كل باب ، { سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ }{[15580]} ورواه أبو القاسم الطبراني ، عن أحمد بن رشدين ، عن أحمد بن صالح ، عن عبد الله بن وهب ، عن عَمْرو بن الحارث ، عن أبي عُشَّانة سمع عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أول ثلة يدخلون الجنة فقراء المهاجرين ، الذين تتقى بهم المكاره ، وإذا أمروا سمعوا وأطاعوا ، وإن كانت لرجل منهم حاجة إلى سلطان لم تُقْضَ حتى يموت وهي في صدره ، وإن الله يدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفها وزينتها ، فيقول : أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي ، وأوذوا في سبيلي ، وجاهدوا في سبيلي ؟ ادخلوا الجنة بغير عذاب ولا حساب ، وتأتي الملائكة فيسجدون ويقولون : ربنا نحن نسبحك الليل والنهار ، ونُقدس لك ، من هؤلاء الذين آثرتهم علينا ؟ فيقول الرب عز وجل : هؤلاء عبادي الذين جاهدوا{[15581]} في سبيلي ، وأوذوا في سبيلي فتدخل عليهم الملائكة من كل باب : { سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ }{[15582]} وقال عبد الله بن المبارك ، عن بَقِيَّة بن الوليد ، حدثنا أرطأة بن المنذر ، سمعت رجلا من مشيخة الجند ، يقال له " أبو الحجاج " يقول : جلست إلى أبي أمامة فقال : إن المؤمن ليكون متكئًا على أريكته إذا دخل الجنة ، وعنده سماطان من خدم ، وعند طرف السماطين باب مبوب ، فيقبل الملك فيستأذن ، فيقول [ أقصى الخدم ]{[15583]} للذي يليه : " مَلك يستأذن " ، ويقول الذي يليه للذي يليه : " ملك يستأذن " ، حتى يبلغ المؤمن فيقول : ائذنوا . فيقول أقربهم إلى المؤمن : ائذنوا ، ويقول الذي يليه للذي يليه : ائذنوا حتى يبلغ أقصاهم الذي عند الباب ، فيفتح له ، فيدخل فيسلم ثم ينصرف . رواه ابن جرير . {[15584]} ورواه ابن أبي حاتم من حديث إسماعيل بن عياش ، عن أرطأة بن المنذر ، عن أبي الحجاج{[15585]}

يوسف الألهاني قال : سمعت أبا أمامة ، فذكر نحوه .

وقد جاء في الحديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزور قبور الشهداء في رأس كل حول ، فيقول لهم : { سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } وكذا أبو بكر ، وعمر وعثمان . {[15586]}

يقول تعالى مخبرًا عمن اتصف بهذه الصفات الحميدة ، بأن لهم { عُقْبَى الدَّارِ } وهي العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة .


[15565]:- في أ : "فعظموا".
[15566]:- في ت : "وسجودها وركوعها".
[15567]:- في ت : "تخلدون".
[15568]:- في أ : "حرة".
[15569]:- في أ : "إنهم".
[15570]:- في أ : "ترفع من".
[15571]:- في ت : "واتبعتهم".
[15572]:- في أ : "ذرياتهم".
[15573]:- في ت ، أ : "عند".
[15574]:- في ت ، أ : "حدثني".
[15575]:- في ت : "عنه".
[15576]:- في ت : "المهاجرين".
[15577]:- في ت ، أ : "ولا".
[15578]:- في ت ، أ : "ويسد".
[15579]:- في ت ، أ : "ويتقى".
[15580]:- المسند (2/168) وقال الهيثمي في المجمع (10/259) : "رجاله ثقات".
[15581]:- في ت : "قاتلوا".
[15582]:- المعجم الكبير للطبراني برقم (152) "القطعة المفقودة" ورواه الحاكم في المستدرك (2/71) من طريق محمد بن عبد الله عن ابن وهب ، به نحوه ، وقال : "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.
[15583]:- زيادة من ت ، أ ، والطبري".
[15584]:- تفسير الطبري (16/425).
[15585]:- كذا وقع في تفسير الطبري ، ونقله أيضا ابن القيم في حادى الأرواح (2/38) "أبو الحجاج" وفي ترجمته في الجرح والتعديل (9/235) والتاريخ الكبير (4/2/376) والثقات لابن حبان (5/552) : "يوسف الألهاني ، أبو الضحاك الحمصي ، سمع أبا أمامة وابن عمر ، وروي عنه أرطاة بن المنذر". وانظر حاشية الأستاذ محمود شاكر على تفسير الطبري (16/426).
[15586]:- رواه الطبري في تفسيره (16/426) عن سهيل عن محمد بن إبراهيم التيمي مرسلا ، وهذا معضل.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ وَيَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عُقۡبَى ٱلدَّارِ} (22)

{ والذين صبروا } على ما تكرهه النفس ويخالفه الهوى . { ابتغاء وجه ربهم } طلبا لرضاه لا لجزاء وسمعة ونحوهما . { وأقاموا الصلاة } المفروضة . { وأنفقوا مما رزقناهم } بعضه الذي وجب عليهم إنفاقه . { سرّاً } لمن لم يعرف بالمال . { وعلانيةً } لمن عرف به . { ويدرؤون بالحسنة السيئة } ويدفعونها بها فيجازون الإساءة بالإحسان ، أو يتبعون السيئة الحسنة فتمحوها . { أولئك لهم عقبى الدار } عاقبة الدنيا وما ينبغي أن يكون مآل أهلها وهي الجنة ، والجملة خبر الموصولات إن رفعت بالابتداء وإن جعلت صفات لأولي الألباب فاستئناف بذكر ما استوجبوا بتلك الصفات .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ وَيَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عُقۡبَى ٱلدَّارِ} (22)

جاءت صلة { والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم } وما عطف عليها وهو { وأقاموا الصلاة وأنفقوا } بصيغة الماضي لإفادة تحقق هذه الأفعال الثلاثة لهم وتمكنها من أنفسهم تنويهاً بها لأنها أصول لفضائل الأعمال .

فأما الصبر فلأنه ملاك استقامة الأعمال ومصدرها فإذا تخلق به المؤمن صدرت عنها لحسنات والفضائل بسهولة ، ولذلك قال تعالى : { إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } [ سورة العصر : 2 3 ] .

وأما الصلاة فلأنها عماد الدين وفيها ما في الصبر من الخاصية لقوله تعالى : { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } وقوله تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلاة } [ سورة البقرة : 45 ] .

وأما الإنفاق فأصله الزكاة ، وهي مقارنة للصلاة كلما ذكرت ، ولها الحظ الأوفى من اعتناء الدين بها ، ومنها النفقات والعطايا كلها ، وهي أهم الأعمال ، لأن بذل المال يشق على النفوس فكان له من الأهمية ما جعله ثانياً للصلاة .

ثم أعيد أسلوب التعبير بالمضارع في المعطوف على الصلة وهو قوله : { ويدرءون بالحسنة السيئة } لاقتضاء المقام إفادة التجدد إيماء إلى أن تجدد هذا الدرء ما يُحرص عليه لأن الناس عرضة للسيئات على تفاوت ، فوُصف لهم دواء ذلك بأن يدعوا السيّئات بالحسنات .

والقول في عطف { والذين صبروا } وفي إعادة اسم الموصول كالقول في { والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل } .

والصبر : من المحامد . وتقدم في قوله تعالى : { واستعينوا بالصبر } في سورة البقرة ( 45 ) . والمراد الصبر على مشاق أفعال الخير ونصر الدين .

وابتغاء وجه ربهم } مفعول لأجله ل { صبروا } . والابتغاء : الطلب . ومعنى ابتغاء وجه الله ابتغاء رضاه كأنه فعل فعلاً يطلبُ به إقباله عند لقائه ، وتقدم في قوله تعالى : { وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله } في آخر سورة البقرة ( 272 ) .

والمعنى أنهم صبروا لأجل أن الصبر مأمور به من الله لا لغرض آخر كالرياء ليقال ما أصبره على الشدائد ولاتّقاء شماتة الأعداء .

والسر والعلانية تقدم وجه ذكرهما في قوله تعالى : { الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية } أواخر سورة البقرة ( 274 ) .

والدرء : الدفع والطرد . وهو هنا مستعار لإزالة أثر الشيء فيكون بعد حصول المدفُوع وقبلَ حصوله بأن يُعِدّ ما يمنع حصوله ، فيصدق ذلك بأن يُتبع السيّئة إذا صدرت منه بفعل الحسنات فإن ذلك كطرد السيئة . قال النبي : يا معاذ اتّق الله حيث كنت وأتبع السيئة الحسنة تمْحُها . وخاصة فيما بينه وبين ربه .

ويصدق بأن لا يقابل من فعل معه سيّئة بمثله بل يقابل ذلك بالإحسان ، قال تعالى : { ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } [ سورة فصلت : 34 ] بأن يصل من قطعه ويعطي من حرمه ويعفو عمن ظلمه وذلك فيما بين الأفراد وكذلك بين الجماعات إذ لم يفض إلى استمرار الضر . قال تعالى في ذلك : { إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم } [ سورة الأنفال : 3 ] .

ويصدق بالعدول عن فعل السيئة بعد العزم فإن ذلك العدول حسنة دَرَأت السيّئة المعزوم عليه . قال النبي عليه الصلاة والسلام : " من همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله له حسنة " .

فقد جمع { يدرءون } جميعَ هذه المعاني ولهذا لم يعقب بما يقتضي أن المراد معاملة المُسيء بالإحسان كما أُتبع في قوله : { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن } في سورة فصلت ( 34 ) . وكما في قوله { ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون } في سورة المؤمنون ( 96 ) .

وجملة { أولئك لهم عقبى الدار } خبر عن { الذين يوفون بعهد الله } . ودل اسم الإشارة على أن المشار إليهم جديرون بالحكم الوارد بعد اسم الإشارة لأجل ما وصف به المشار إليهم من الأوصاف ، كما في قوله : { أولئك على هدى من ربهم } في أول سورة البقرة ( 5 ) .

ولهم { عقبى الدار } جملة خبراً عن اسم الإشارة . وقدم المجرور على المبتدأ للدلالة على القصر ، أي لهم عقبى الدار لا للمتصفين بإضداد صفاتهم ، فهو قصر إضافي .

والعقبى : العاقبة ، وهي الشيء الذي يعقُب ، أي يقع عقب شيء آخر . وقد اشتهر استعمالها في آخرة الخير ، قال تعالى : { والعاقبة للمتقين } [ سورة القصص : 83 ] . ولذلك وقعت هنا في مقابلة ضدها في قوله : { ولهم سوء الدار } [ سورة غافر : 52 ] .

وأما قوله : { وعقبى الكافرين النار } [ سورة الرعد : 35 ] فهو مشاكلة كما سيأتي في آخر السورة عند قوله : { وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار } [ سورة الرعد : 42 ] . وانظر ما ذكرته في تفسير قوله تعالى : { ومن تكون له عاقبة الدار } في سورة القصص ( 37 ) فقد زدته بياناً .

وإضافتها إلى { الدار } من إضافة الصفة إلى الموصوف . والمعنى : لهم الدار العاقبة ، أي الحسنة .