تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{هَٰذَا خَلۡقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦۚ بَلِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (11)

وقوله : { هَذَا خَلْقُ اللَّهِ } أي : هذا الذي ذكره تعالى من خلق السموات ، والأرض وما بينهما ، صادر عن فعل الله وخلقه وتقديره ، وحده لا شريك له في ذلك ؛ ولهذا قال : { فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } أي : مما تعبدون وتدعون من الأصنام والأنداد ، { بَلِ الظَّالِمُونَ } يعني : المشركين بالله العابدين معه غيره { فِي ضَلالٍ } أي : جهل وعمى ، { مُبِينٍ } أي : واضح ظاهر لا خفاء به .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{هَٰذَا خَلۡقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦۚ بَلِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (11)

{ هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه } هذا الذي ذكر مخلوقه فماذا خلق آلهتكم حتى استحقوا مشاركته ، و { ماذا } نصب ب { خلق } أو ما مرتفع بالابتداء وخبره ذا بصلته { فأروني } معلق عنه . { بل الظالمون في ضلال مبين } إضراب عن تبكيتهم إلى التسجيل عليهم بالضلال الذي لا يخفى على ناظر ، ووضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على أنهم ظالمون بإشراكهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{هَٰذَا خَلۡقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦۚ بَلِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (11)

وجملة { هذا خلق الله } إلى آخرها نتيجة الاستدلال بخلق السماء والأرض والجبال والدواب وإنزال المطر . واسم الإشارة إلى ما تضمنه قوله { خلق السماوات } إلى قوله { من كل زوج كريم . } والإتيان به مفرداً بتأويل المذكور . والانتقال من التكلم إلى الغيبة في قوله { خلق الله } التفاتاً لزيادة التصريح بأن الخطاب وارد من جانب الله بقرينة قوله { هذا خلق الله } وكذلك يكون الانتقال من التكلم إلى الغيبة في قوله { ماذا خلق الذين من دونه } التفاتاً لمراعاة العود إلى الغيبة في قوله { خَلق الله } . ويجوز أن تكون الرؤية من قوله { فأروني } علمية ، أي فأنْبِئُوني ، والفعل معلقاً عن العمل بالاستفهام ب { ماذا } .

فيتعين أن يكون { فأروني } تهكماً لأنهم لا يمكن لهم أن يكافحوا الله زيادة على كون الأمر مستعملاً في التعجيز ، لكن التهكم أسبق للقطع بأنهم لا يتمكنون من مكافحة الله قبل أن يقطعوا بعجزهم عن تعيين مخلوق خلقه من دون الله قطعاً نظرياً .

وصوغ أمر التعجيز من مادة الرؤية البصرية أشد في التعجيز لاقتضائها الاقتناع منهم بأن يحضروا شيئاً يدّعون أن آلهتهم خلقته . وهذا كقول حُطائط بن يعفر النهشلي{[319]} وقيل حاتم الطائي :

أريني جواداً مات هَزلاً{[320]} لعلني *** أرى ما تزين أو بخيلا مخلَّدا

أي : أحضرني جواداً مات من الهزال وأرينيه لعلي أرى مثل ما رأيتيه .

والعرب يقصدون في مثل هذا الغرض الرؤية البصرية ، ولذلك يكثر أن يقول : ما رأتْ عيني ، وانظر هل ترى . وقال امرؤ القيس :

فللَّه عيناً من رأى من تفرق *** أشتّ وأنأى من فراق المحصب

وإجراء اسم موصول العقلاء على الأصنام مجاراة للمشركين إذ يعدُّونهم عقلاء . و { مِنْ دونه } صلة الموصول . و ( دون ) كناية عن الغير ، و { مِن } جارّة لاسم المكان على وجه الزيادة لتأكيد الاتصال بالظرف .

و { بل } للإضراب الانتقالي من غرض المجادلة إلى غرض تسجيل ضلالهم ، أي في اعتقادهم إلهية الأصنام ، كما يقال في المناظرة : دع عنك هذا وانتقل إلى كذا .

و { الظالمون } : المشركون . والضلال المبين : الكفر الفظيع ، لأنهم أعرضوا عن دعوة الإسلام للحق ، وذلك ضلال ، وأشركوا مع الله غيره في الإلهية ، فذلك كفر فظيع . وجيء بحرف الظرفية لإفادة اكتناف الضلال بهم في سائر أحوالهم ، أي : شدة ملابسته إياهم .


[319]:- حطائط بضم الحاء: القصير
[320]:- هزلا بفتح الهاء: الهزال.