تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ إِنۡ أَدۡرِيٓ أَقَرِيبٞ مَّا تُوعَدُونَ أَمۡ يَجۡعَلُ لَهُۥ رَبِّيٓ أَمَدًا} (25)

يقول تعالى آمرًا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس : إنه لا علم له بوقت الساعة ، ولا يدري أقريب وقتها أم بعيد ؟ { قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا } ؟ أي : مدة طويلة .

وفي هذه الآية الكريمة دليل على أن الحديث الذي يتداوله كثير من الجهلة من أنه عليه السلام ، لا يؤلف تحت الأرض ، كذب لا أصل له ، ولم نره في شيء من الكتب . وقد كان صلى الله عليه وسلم يسأل عن وقت الساعة فلا يجيب عنها ، ولما تَبدَّى له جبريل في صورة أعرابي كان فيما سأله أن قال : يا محمد ، فأخبرني عن الساعة ؟ قال : " ما المسئول عنها بأعلم من السائل " {[29388]} ولما ناداه ذلك الأعرابي بصوت جَهوريّ فقال : يا محمد ، متى الساعة ؟ قال : " ويحك . إنها كائنة ، فما أعددت لها ؟ " . قال : أما إني لم أعد لها كثير{[29389]} صلاة ولا صيام ، ولكني أحب الله ورسوله . قال : " فأنت مع من أحببت " . قال أنس : فما فرح المسلمون بشيء فرحهم بهذا الحديث{[29390]}

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن مُصفَى ، حدثنا محمد بن حمير{[29391]} حدثني أبو بكر بن أبي مريم ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يا بني آدم ، إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى ، والذي نفسي بيده ، إنما توعدون لآت " {[29392]}

وقد قال أبو داود في آخر " كتاب الملاحم " : حدثنا موسى بن سهيل ، حدثنا حجاج بن إبراهيم ، حدثنا ابن وهب ، حدثني معاوية بن صالح ، عن عبد الرحمن بن جُبَير ، عن أبيه ، عن أبي ثَعلبة الخُشني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم " {[29393]} انفرد به أبو داود ، ثم قال أبو داود :

حدثنا عمرو بن عثمان . حدثنا أبو المغيرة ، حدثني صفوان ، عن شُرَيح بن عبيد ، عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إني لأرجو ألا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم " . قيل لسعد : وكم نصف يوم ؟ قال : خمسمائة عام . انفرد به أبو داود{[29394]}


[29388]:- (1) هو جزء من حديث جبريل الطويل ، رواه مسلم في صحيحه برقم (8) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
[29389]:- (2) في م : "كبير".
[29390]:- (3) رواه مسلم في صحيحه برقم (2639) من حديث أنس ، رضي الله عنه.
[29391]:- (4) في أ : "محمد بن جبير".
[29392]:- (5) ورواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (10564) من طريق الحسن بن سفيان ، عن محمد بن المصفي ، به.
[29393]:- (6) سنن أبي داود برقم (4349) ، ورواه الحاكم في المستدرك (4/424) من طريق ابن وهب ، به. وقال الحاكم : "صحيح على شرطهما ولم يخرجاه".
[29394]:- (1) سنن أبي داود برقم (4350) ، وشريح بن عبيد لم يدرك سعد بن أبي وقاص ، فهو منقطع.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ إِنۡ أَدۡرِيٓ أَقَرِيبٞ مَّا تُوعَدُونَ أَمۡ يَجۡعَلُ لَهُۥ رَبِّيٓ أَمَدًا} (25)

قل إن أدري ما أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا غاية تطول مدتها كأنه لما سمع المشركون حتى إذا رأوا ما يوعدون قالوا متى يكون إنكارا فقيل قل إنه كائن لا محالة ولكن لا أدري ما وقته .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ إِنۡ أَدۡرِيٓ أَقَرِيبٞ مَّا تُوعَدُونَ أَمۡ يَجۡعَلُ لَهُۥ رَبِّيٓ أَمَدًا} (25)

كان المشركون يكثرون أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم { متى هذا الوعد } [ النمل : 71 ] ، و { عن الساعة أيان مرساها } [ الأعراف : 187 ] ، وتكررت نسبة ذلك إليهم في القرآن ، فلما قال الله تعالى : { حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصراً } [ الجن : 24 ] الآية علِم أنهم سيعيدون ما اعتادوا قوله من السؤال عن وقت حلول الوعيد فأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعيد عليهم ما سبق من جوابه .

فجملة { قل إن أدري أقريب ما توعدون } مستأنفة استئنافاً بيانياً لأن القول المأمور بأن يقوله جواب لسؤالهم المقدر .

والأمد : الغاية وأصله في الأمكنة . ومنه قول ابن عمر في حديث « الصحيحين » : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقَ بين الخيل التي لم تُضَمَّر وجعل أمدَها ثنيةَ الوداع " ( أي غاية المسابقة ) . ويستعار الأمد لمدة من الزمان معينة قال تعالى : { فطال عليهم الأمد } [ الحديد : 16 ] وهو كذلك هنا . ومقابلته ب« قريب » يفيد أن المعنى أم يجعل له أمداً بعيداً .