تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ فَمَا بَالُ ٱلۡقُرُونِ ٱلۡأُولَىٰ} (51)

{ قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأولَى } أصح الأقوال في معنى ذلك : أن فرعون لما أخبره موسى بأن ربه الذي أرسله هو الذي خلق ورزق وقدر فهدى ، شرع يحتج بالقرون الأولى ، أي : الذين لم يعبدوا الله ، أي : فما بالهم إذا كان الأمر كما تقول ، لم يعبدوا ربك{[19395]} بل عبدوا غيره ؟ فقال له موسى في جواب ذلك : هم وإن لم يعبدوه فإن عملهم{[19396]} عند الله مضبوط عليهم ، وسيجزيهم بعملهم في كتاب الله ، وهو اللوح المحفوظ وكتاب الأعمال ، { لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى } أي : لا يشذ عنه{[19397]} شيء ، ولا يفوته صغير ولا كبير ، ولا ينسى شيئًا . يصف علمه تعالى بأنه بكل شيء محيط ، وأنه لا ينسى شيئًا ، تبارك وتعالى وتقدس ، فإن علم المخلوق يعتريه نقصانان{[19398]} أحدهما : عدم الإحاطة بالشيء ، والآخر نسيانه بعد علمه ، فنزه نفسه عن ذلك .


[19395]:في ف، أ: "لم يعبدوه".
[19396]:في ف، أ: "علمهم".
[19397]:في ف: "عليه".
[19398]:في ف، أ: "نقصان".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ فَمَا بَالُ ٱلۡقُرُونِ ٱلۡأُولَىٰ} (51)

{ قال فما بال القرون الأولى } فما حالهم بعد موتهم من السعادة والشقاوة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ فَمَا بَالُ ٱلۡقُرُونِ ٱلۡأُولَىٰ} (51)

وقال فرعون { فما بال القرون الأولى } يحتمل أن يريد محاجته بحسب ما تقدم من القول ومناقضته فيه ، فليس يتجه على هذا أن يريد ما بال القرون الأولى ولم يوجد أمرك عندها ، فرد موسى عليه السلام علم ذلك إلى الله تعالى ، ويحتمل أن يريد فرعون قطع الكلام الأول والرجوع إلى سؤال موسى عن حالة من سلف من الناس روغاناً في الحجة وحيدة وقال «البال » الحال فكأنه سألهم عن حالهم كما جاء في الحديث «يهديكم الله ويصلح بالكم »{[8111]} وقال النقاش إنما قال فرعون { فما بال القرون الأولى } لما سمع مؤمن آله يا قوم { إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب } [ غافر : 30 ] مثل دأب قوم نوح وعاد «{[8112]} الآية .


[8111]:أخرجه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه في الأدب.
[8112]:من الآيتين (30، 31) من سورة (المؤمن) ـ وهي سورة (غافر)، ومؤمن آل فرعون هو الذي تتحدث عنه الآيات من قوله تعالى في سورة غافر {وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه} الآية (28) وما بعدها، ولهذا سميت السورة سورة مؤمن.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ فَمَا بَالُ ٱلۡقُرُونِ ٱلۡأُولَىٰ} (51)

والبال : كلمة دقيقة المعنى ، تطلق على الحال المهمّ ، ومصدره البالة بتخفيف اللاّم ، قال تعالى : { كفّر عنهم سيّآتهم وأصلح بالهم } [ محمد : 2 ] ، أي حالهم . وفي الحديث " كل أمر ذي بال . . . " الخ ، وتطلق على الرأي يقال : خطر كذا ببالي . ويقولون : ما ألقى له بالاً ، وإيثار هذه الكلمة هنا من دقيق الخصائص البلاغيّة .

أراد فرعون أن يحاجّ موسى بما حصل للقرون الماضية الذين كانوا على ملّة فرعون ، أي قرون أهل مصر ، أي ما حالهم ، أفتزعم أنّهم اتفقوا على ضلالة . وهذه شنشنة من لا يجد حجّة فيعمد إلى التشغيب بتخييل استبعاد كلام خصمه ، وهو في معنى قول فرعون وملئه في الآية الأخرى { قالوا أجِئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا } [ يونس : 78 ] .

ويجوز أن يكون المعنى أنّ فرعون أرَاد التشغيب على موسى حين نهضت حجّته بأن ينقله إلى الحديث عن حال القرون الأولى : هل هم في عذاب بمناسبة قول موسى : { أنّ العذاب على من كذّب وتولّى } [ طه : 48 ] ، فإذا قال : إنّهم في عذاب ، ثارت ثائرة أبنائهم فصاروا أعداء لموسى ، وإذا قال : هم في سلام ، نهضت حجّة فرعون لأنه متابع لدينهم ، ولأنّ موسى لمّا أعلمه بربّه وكان ذلك مشعراً بالخلق الأوّل خطر ببال فرعون أن يسأله عن الاعتقاد في مصير النّاس بعد الفناء ، فسأل : ما بال القرون الأولى ؟ ما شأنهم وما الخبر عنهم ؟ وهو سؤال تعجيز وتشغيب .