يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا } أي : عما هم فيه من الكفر والمشاقة والعناد ويدخلوا في الإسلام والطاعة والإنابة ، يغفر لهم ما قد سَلَف ، أي : من كفرهم ، وذنوبهم وخطاياهم ، كما جاء في الصحيح ، من حديث أبي وائل عن ابن مسعود ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أحْسَن في الإسلام ، لم يُؤاخَذ بما عمل في الجاهلية ، ومن أساء في الإسلام ، أخذ بالأول والآخر " {[12933]}
وفي الصحيح أيضًا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الإسلام يَجُبُّ ما قبله{[12934]} والتوبة تجب ما كان قبلها " .
وقوله : { وَإِنْ يَعُودُوا } أي : يستمروا على ما هم فيه ، { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ } أي : فقد مضت سنتنا في الأولين أنهم إذا كذبوا واستمروا على عنادهم ، أنا نعاجلهم بالعذاب والعقوبة .
وقوله : { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ } أي : في قريش يوم بدر وغيرها من الأمم . وقال السدي ومحمد بن إسحاق : أي : يوم بدر .
{ قل للذين كفروا } يعني أبا سفيان وأصحابه والمعنى قل لأجلهم . { إن ينتهوا } عن معاداة الرسول صلى الله عليه وسلم بالدخول في الإسلام . { يغفر لهم ما قد سلف } من ذنوبهم ، وقرئ بالتاء والكاف على أنه خاطبهم و{ يغفر } على البناء للفاعل وهو الله تعالى . { وإن يعودوا } إلى قتاله . { فقد مضت سنّة الأولين } الذين تحزبوا على الأنبياء بالتدمير كما جرى على أهل بدر فليتوقعوا مثل ذلك .
وقوله { قل للذين كفروا } الآية ، أمر من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للكفار هذا المعنى الذي تضمنه ألفاظ قوله { إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } وسواء قاله النبي صلى الله عليه وسلم في هذه العبارة أو غيرها ، ولو كان الكلام كما ذكر الكسائي أنه في مصحف ابن مسعود «قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لكم » لما تأدت الرسالة إلا بتلك الألفاظ بعينها ، هذا بحسب ما تقتضيه الألفاظ ، وقوله { إن ينتهوا } يريد به عن الكفر ولا بد ، والحامل على ذلك جواب الشرط ب { يغفر بهم ما قد سلف } ، ومغفرة ما قد سلف لا تكون إلا لمنتهٍ عن الكفر ، وقوله { إن يعودوا } يريد به إلى القتال لأن لفظة عاد يعود إذا جاءت مطلقة فإنما تتضمن الرجوع إلى حالة قد كان الإنسان عليها ثم تنقَّل عنها .
ولسنا نجد في هذه الآية لهؤلاء الكفار حالة تشبه ما ذكرنا إلا القتال ، ولا يصح أن يتأول { وإن يعودوا } إلى الكفر لأنهم لم ينفصلوا عنه وإنما قلنا في عاد إذا كانت مطلقة لأنها قد تجيء في كلام العرب داخلة على الابتداء والخبر بمنزلة صار ، وذلك كما تقول عاد زيد ملكاً تريد صار ، ومنه قول أبي الصلت :
تلك المكارم لا قعبان من لبن*** شبيبا بماء فعادا بعد أبوالا{[5346]}
وهذه لا تتضمن الرجوع إلى حالة قد كان العائد عليها قبل ، لكنها مقيدة بخبرها لا يجوز الاقتصار دونه ، فحكمها حكم صار ، وقوله { فقد مضت سنة الأولين } عبارة بجمع الوعيد والتهديد والتمثيل بمن هلك من الأمم في سالف الدهر بعذاب الله حين صد في وجه نبيه وبمن هلك في يوم بدر بسيف الإسلام والشرع ، والمعنى قد رأيتم وسمعتم عن الأمم ما حل .
قال القاضي أبو محمد : والتخويف عليهم بقصة بدر أشد إذ هي القريبة منهم والمعاينة عندهم ، وعليها نص ابن إسحاق والسدي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.