السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَنتَهُواْ يُغۡفَرۡ لَهُم مَّا قَدۡ سَلَفَ وَإِن يَعُودُواْ فَقَدۡ مَضَتۡ سُنَّتُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (38)

ولما بيّن تعالى ضلالهم في عباداتهم البدنية والمالية أرشدهم إلى طريق الصواب .

فقال : { قل } يا محمد { للذين كفروا } كأبي سفيان وأصحابه { إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } أي : قل لأجلهم هذا القول وهو أن ينتهوا عن الكفر وقتال النبيّ صلى الله عليه وسلم يغفر لهم ما قد سلف من ذلك ولو كان بمعنى خاطبهم به لقيل : إن تنتهوا يغفر لكم { وإن يعودوا } أي : إلى الكفر ومعاداة النبيّ صلى الله عليه وسلم { فقد مضت سنة الأوّلين } أي : بإهلاك أعدائه ونصر أنبيائه وأوليائه وأجمع العلماء على أنّ الإسلام يجبّ ما قبله ، واختلفوا هل الكافر الأصلي مخاطب بفروع الشريعة ؟ وهل يسقط عن المرتدّ ما مضى في حال ردّته كالكافر الأصلي كما هو ظاهر الآية ؟ وهل الردّة تحبط ما مضى من العبادات قبلها ، ذهب أصحاب الشافعيّ رضي الله تعالى عنه إلى أنه مخاطب بدليل قوله تعالى : { ما سلككم في سقر 42 قالوا لم نك من المصلين } ( المدثر ، الآيات : 42 43 ) الآية ، وأنّ المرتدّ لا تسقط عنه العبادات الفائتة في الردّة تغليظاً عليه ، وأنّ الردّة لا تحبط ما مضى ، وقد تقدّم الكلام على ذلك في المائدة ، وعن يحيى بن معاذ أنه قال : توحيد لم يعجز عن هدم ما قبله من كفر أرجو أن لا يعجز عن هدم ما بعده من ذنب .