اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَنتَهُواْ يُغۡفَرۡ لَهُم مَّا قَدۡ سَلَفَ وَإِن يَعُودُواْ فَقَدۡ مَضَتۡ سُنَّتُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (38)

قوله تعالى { قُل لِلَّذِينَ كفروا } الآية .

فصل

لمَّا بينَّ ضلالهُم في عباداتهم البدنية ، والمالية ، أرشدهم إلى طريق الصَّواب ، وقال : { قُل لِلَّذِينَ كفروا } . وفي هذه اللاَّم الوجهان المشهوران :

الأول : أنَّها للتبليغ ، أمر أن يُبلِّغَهُم معنى هذه الجملة المحكيةِ بالقول ، وسواء أوردها بهذا اللفظ أم بلفظٍ آخرَ مؤدٍّ لمعناها .

والثاني : أنها للتعليل ، وبه قال الزمخشريُّ . ومنع أن تكون للتبليغ ، فقال : " أي قل لأجلهم هذا القول : " إن ينتَهُوا " ، ولو كان بمعنى خاطبهم به ، لقيل : إن تَنْتَهُوا يغفر لكم وهي قراءةُ ابن مسعود ، ونحو { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا } خاطبوا به غيرهم لِيسمْعَوهُ " وقرئ{[17336]} " يَغْفره " مبنياً للفاعل ، وهو ضمير يعود على الله تعالى .

فصل

المعنى : قُل للَّذين كفرُوا إن ينتهوا عن الكُفْر وعداوة الرَّسُولِ ويسلموا { يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } من كفرهم وعداوتهم للرَّسُولِ ، وإن عَادُوا إليه ، وأصَرُّوا عليه : { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ } في نُصرةِ الله أنبياءه ، أولياءه ، وإهلاك أعداءه ؛ فليتوقَّعُوا مثل ذلك .

وقال يحيى بنُ معاذ الرازي : توحيد ساعة لم يعجز عن هدم ما قبله من كُفْرٍ ، وأرجو ألاَّ يعجز عن هدم ما بعده من ذنب .

واستدلُّوا بهذه الآية على صحَّة توبة الزِّنديقِ ، وأنها تقبل ، واستدلوا بها أيضاً على أنَّ الكفَّار ليسوا مخاطبين بالفروع ؛ لأنَّها لا تصح منهم في حال الكفر ، وبعد الإسلام لا يلزم قضاؤها .

واحتجُّوا بها أيضاً على أنَّ المرتد إذا أسلم لا يلزمه قضاء العبادات الَّتي تركها في حال الردَّةِ .


[17336]:ينظر: الكشاف 2/220، البحر المحيط 4/489، الدر المصون 3/419.