فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَنتَهُواْ يُغۡفَرۡ لَهُم مَّا قَدۡ سَلَفَ وَإِن يَعُودُواْ فَقَدۡ مَضَتۡ سُنَّتُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (38)

{ قل للذين كفروا } كأبي سفيان وأصحابه واللام للتبليغ { إن ينتهوا } الخ أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول لهم هذا المعنى ، سواء قاله بهذه العبارة أو غيرها . قال ابن عطية : ولو كان كما قال الكسائي أنه في مصحف ابن مسعود تنتهوا بالتاء لما تأدت الرسالة إلا بتلك الألفاظ بعينها ، وقال في الكشاف : هي لام العلة ، أي قل لأجلهم هذا القول وهو أن ينتهوا ، ولو كان بمعنى خاطبهم به لقيل إن تنتهوا يغفر لكم .

والمعنى إن ينتهوا عما هم عليه من عداوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقتاله بالدخول في الإسلام { يغفر لهم ما قد سلف } لهم من العداوة اه .

وقيل معناه إن ينتهوا عن الكفر ، قال ابن عطية : والحامل على ذلك جواب الشرط بيغفر لهم ما قد سلف ، ومغفرة ما قد سلف لا يكون إلا لمنته عن الكفر وفي هذه الآية دليل على أن الإسلام يجبّ ما قبله .

وأخرج أحمد ومسلم عن عمرو بن العاص قال : لما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : ابسط يدك فلأبايعك ، فبسط يمينه فقبضت يدي قال : مالك ؟ فقلت أردت أن أشترط ، قال تشترط ماذا ؟ قلت : أن تستغفر لي قال : أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها ، وأن الحج يهدم ما كان قبله{[838]} .

وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( الإسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما قبلها ) {[839]} ، قال يحيى بن معاذ الرازي التوحيد لم يعجز عن هدم ما قبله من كفر ، فكيف يعجز عن هدم ما بعده من ذنب .

{ وإن يعودوا } إلى القتال والعداوة أو إلى الكفر الذي هم عليه ، ويكون العود بمعنى الاستمرار ، وفي الجمل العود يشعر بسبق التلبس بالشيء الذي حصل العود إليه ، فالمعنى وإن يرتدوا عن الإسلام بعد دخولهم فيه ويرجعوا إلى الكفر وقتال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وجواب الشرط محذوف تقديره ننتقم منهم بالعقاب والعذاب .

وقوله : { فقد مضت سنة الأولين } تعليل للمحذوف ولا يصلح للجوابية كما لا يخفى أي سبقت واستقرت سنة الله في إهلاك أعدائه ونصر أوليائه .

وهذه العبارة مشتملة على الوعيد والتهديد والتمثيل بمن أهلك من الأمم في سالف الدهر بعذاب الله ، أي قد مضت سنة الله فيمن فعل مثل فعل هؤلاء من الأولين من الأمم أن يصيبه بعذاب فليتوقعوا مثل ذلك .

عن مجاهد قال : فقد مضت سنة الأولين في قريش وغيرها يوم بدر والأمم قبل ذلك ، وقد فسر كثير من السلف هذه الآية بما مضى في الأمم المتقدمة من عذاب من قاتل الأنبياء وصمم على الكفر ، وقال السدي ومحمد ابن إسحاق : المراد بالآية يوم بدر ، وترسم سنت هذه بالتاء المجرورة وكذا الثلاثة التي في فاطر ، وكذا التي في آخر غافر والإضافة على معنى في .


[838]:- مسلم 121.
[839]:- الإمام أحمد 4/199.