قال البخاري : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن أخي ابن شهاب ، عن عمه قال : أخبرني عروة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، أخبرته : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ } إلى قوله : { غَفُورٌ رَحِيمٌ } قال عروة : قالت عائشة : فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات ، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد بايعتك " ، كلامًا ، ولا والله ما مست يده يد امرأة قَطّ في المبايعة ، ما يبايعهن إلا بقوله : " قد بايعتك على ذلك " هذا لفظ البخاري{[28701]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان ، عن محمد بن المُنْكَدِر ، عن أميمة بنت رُقَيقة قالت : أتيت رسول الله{[28702]} صلى الله عليه وسلم في نساء لنبايعه ، فأخذ علينا ما في القرآن : { أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا } الآية ، وقال : " فيما استطعتن وأطقتن " ، قلنا : الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا ، قلنا : يا رسول الله ، ألا تصافحنا ؟ قال " إني لا أصافح النساء ، إنما قولي لامرأة واحدة {[28703]} كقولي لمائة امرأة " .
هذا إسناد صحيح ، وقد رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة ، من حديث سفيان بن عيينة - والنسائي أيضًا من حديث الثوري - ومالك بن أنس كلهم ، عن محمد بن المنكدر ، به{[28704]} . وقال الترمذي : حسن صحيح ، لا نعرفه إلا من حديث محمد بن المنكدر .
وقد رواه أحمد أيضا من حديث محمد ابن إسحاق ، عن محمد بن المنكدر ، عن أميمة ، به . وزاد : " ولم يصافح منا امرأة " {[28705]} . وكذا رواه ابن جرير من طريق موسى بن عقبة ، عن محمد بن المنكدر ، به{[28706]} . ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي جعفر الرازي ، عن محمد بن المنكدر : حدثتني أميمة بنت رقيقة - وكانت أخت خديجة خالة فاطمة ، من فيها إلى في ، فذكره .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثني سليط بن أيوب بن الحكم بن سُلَيم ، عن أمه سلمى بنت قيس - وكانت إحدى خالات رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلت معه القبلتين ، وكانت إحدى نساء بني عدي بن النجار - قالت : جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم نبايعه في نسوة من الأنصار ، فلما شرط علينا : ألا نشرك بالله شيئًا ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف - قال : " ولا تغشُشْن أزواجكن " . قالت : فبايعناه ، ثم انصرفنا ، فقلت لامرأة منهن : ارجعي فسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما غش أزواجنا ؟ قال : فسألته فقال : " تأخذ ماله ، فتحابي به غيره " {[28707]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن أبي العباس ، حدثنا عبد الرحمن بن عثمان بن إبراهيم بن محمد بن حاطب ، حدثني أبي ، عن أمه عائشة بنت قُدَامة - يعني : ابن مظعون - قالت : أنا مع أمي رائطة بنت سفيان الخزاعية ، والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع النسوة ويقول : " أبايعكنّ على أن لا تشركن بالله شيئًا ، ولا تسرقن ، ولا تزنين ، ولا تقتلن أولادكن ، ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن ، ولا تعصينني في معروف " . [ قالت : فأطرقن . فقال لهن النبي صلى الله عليه وسلم ]{[28708]} قُلن : نعم فيما استطعتن " . فَكُنّ يقلن وأقول معهن ، وأمي تُلقّني : قولي {[28709]} أي بنية ، نعم [ فيما استطعتُ ]{[28710]} . فكنت أقول كما يقلنٍّ-{[28711]}
وقال البخاري : حدثنا أبو مَعْمَر ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا أيوب ، عن حفصة بنت سيرين ، عن أم عطية قالت : بَايَعْنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقرأ{[28712]} علينا : { أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا } ونهانا عن النياحة ، فقبضت امرأة يدها ، قالت : أسعدتني فلانة أريد أن أجزيها . فما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، فانطلقت ورجعت فبايعها .
ورواه مسلم{[28713]} . وفي رواية : " فما وفى منهن امرأة غيرها ، وغير أم سليم ابنة ملحان " .
وللبخاري عن أم عطية قالت : أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند البيعة ألا ننوح ، فما وَفّت منا امرأة غير خمس نسوة : أم سليم ، وأم العلاء ، وابنة أبي سبرة امرأة معاذ ، وامرأتان - أو : ابنة أبي سَبرة ، وامرأة معاذ ، وامرأة أخرى{[28714]} .
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعاهدُ النساءَ بهذه البيعة يوم العيد ، كما قال البخاري :
حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، حدثنا هارون بن{[28715]} معروف ، حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرني ابن جُرَيج : أن الحسن بن مسلم أخبره ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : شهدت الصلاة يوم الفطر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب بَعدُ ، فنزل نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فكأني أنظر إليه حين{[28716]} يُجَلَّس الرجالَ بيده ، ثم أقبل يَشقّهم حتى أتى النساء مع بلال فقال : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } حتى فرغ من الآية كلها . ثم قال حين فرغ : " أنتن على ذلك ؟ " . فقالت امرأة واحدة ، ولم يجبه غيرها : نعم يا رسول الله - لا يدري الحسن{[28717]} من هي - قال : " فتصدقن " ، قال : وبسط بلال ثوبه فجعلن{[28718]} يلقين الفَتَخَ والخواتيم في ثوب بلال{[28719]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا ابن عياش ، عن سليمان بن سُليم ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : جاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام ، فقال : " أبايعك على ألا تشركي بالله شيئًا ، ولا تسرقي ، ولا تزني ، ولا تقتلي ولدك ، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يَديك ورجليك ، ولا تنوحي ، ولا تبرجي تبرج الجاهلية الأولى " {[28720]}
وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن عبادة بن الصامت قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال : " تبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئًا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم - قرأ الآية التي أخذت على النساء { إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ } فمن وفى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به ، فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله عليه ، فهو إلى الله ، إن شاء غفر له ، وإن شاء عذبه " . أخرجاه في الصحيحين{[28721]} .
وقال محمد ابن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن مرثد{[28722]} بن عبد الله اليَزني{[28723]} عن أبي عبد الله عبد الرحمن بن عُسَيلة الصُّنَابجي{[28724]} ، عن عبادة بن الصامت قال : كنت فيمن حضر العقبة الأولى ، وكنا اثني عشر رجلا فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء ، وذلك قبل أن يفرض الحرب ، على ألا نشرك بالله شيئًا ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف ، وقال : " فإن وَفَيتم فلكم الجنة " رواه ابن أبي حاتم .
وقد روي ابن جرير من طريق العوفي ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب فقال : " قل لهن : إن رسول الله يبايعكن على ألا تشركن بالله شيئًا " - وكانت هند بنت عتبة بن ربيعة التي شقت بطن حمزة مُنَكرة في النساء - فقالت : " إني إن أتكلم يعرفني ، وإن عرفني قتلني " . وإنما تنكرت فرقًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسكت النسوة اللاتي مع هند ، وأبين أن يتكلمن . فقالت هند وهي مُنَكَّرة : كيف تقبل من النساء شيئًا لم تقبله من الرجال ؟ ففطن{[28725]} إليها رسول الله وقال لعمر : " قل لهن : ولا تسرقن " . قالت هند : والله إني لأصيب من أبي سفيان الهَنَات ، ما أدري أيحلهن لي أم لا ؟ قال أبو سفيان : ما أصبت من شيء مضى أو قد بقي ، فهو لك حلال . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها ، فدعاها فأخذت بيده ، فعاذت{[28726]} به ، فقال : " أنت هند ؟ " . قالت : عفا الله عما سلف . فصرف عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ولا يزنين " ، فقالت : يا رسول الله ، وهل تزني الحرة ؟ قال : " لا والله ما تزني الحرة " . فقال : " ولا يقتلن أولادهن " . قالت هند : أنت قتلتهم يوم بدر ، فأنت وهم أبصر . قال : { وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } قال :{ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } قال : منعهن أن ينحن ، وكان أهل الجاهلية يمزقن الثياب ويخدشن الوجوه ، ويقطعن الشعور ، ويدعون بالثبور . والثبور : الويل{[28727]} .
وهذا أثر غريب ، وفي بعضه نكارة ، والله أعلم ؛ فإن أبا سفيان وامرأته لما أسلما لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيفهما ، بل أظهر الصفاء والود له ، وكذلك كان الأمر من جانبه ، عليه السلام ، لهما .
وقال مقاتل بن حيان : أنزلت هذه الآية يوم الفتح ، فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال على الصفا ، وعمر يبايع النساء تحتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر بقيته كما تقدم وزاد : فلما قال : { وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ } قالت هند : ربيناهم صغارًا فقتلتموهم كبارا . فضحك عمر بن الخطاب حتى استلقى . رواه بن أبي حاتم .
وقال بن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا نصر بن علي ، حدثتني عطية بنت سليمان ، حدثني عمتي ، عن جدتها{[28728]} عن عائشة قالت : جاءت هند بنت عتبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتبايعه ، فنظر إلى يدها فقال : " اذهبي فغيري يدك " . فذهبت فغيرتها بحناء ، ثم جاءت فقال : " أبايعك على ألا تشركي بالله شيئا " ، فبايعها وفي يدها سواران من ذهب ، فقالت : ما تقول في هذين السوارين ؟ فقال : " جمرتان من جمر جهنم " {[28729]} .
فقوله : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ } أي : من جاءك منهن يبايع على هذه الشروط فبايعها ، { عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ } أي : أموال الناس الأجانب ، فأما إذا كان الزوج مقصرًا في نفقتها ، فلها أن تأكل من ماله بالمعروف ، ما جرت به عادة أمثالها ، وإن كان بغير علمه ، عملا بحديث هند بنت عتبة أنها قالت : يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل شَحِيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني ، فهل عليَّ جناح إن أخذت من ماله بغير علمه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك " . أخرجاه في الصحيحين{[28730]} .
وقوله : { وَلا يَزْنِينَ } كقوله { وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا } [ الإسراء : 32 ] . وفي حديث سَمُرة ذكرُ عقوبة الزناة بالعذاب الأليم في نار الجحيم {[28731]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا مَعْمَر ، عن الزهري ، عن عُرْوة ، عن عائشة قالت : جاءت فاطمة بنت عتبة تبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ عليها : { أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ } الآية ، قالت : فوضعت يدها على رأسها حياء ، فأعجبه ما رأى منها ، فقالت عائشة : أقري أيتها المرأة ، فوالله ما بايعنا إلا على هذا . قالت : فنعم إذًا . فبايعها بالآية{[28732]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا ابن فضيل ، عن حصين ، عن عامر - هو الشعبي - قال : بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء ، وعلى يده ثوب قد وضعه على كفه ، ثم قال : " ولا تقتلن أولادكن " . فقالت امرأة : تقتل آباءهم وتوصينا بأولادهم ؟ قال : وكان بعد ذلك إذا جاءت النساء يبايعنه ، جمعهن فعرض عليهن ، فإذا أقررن رجعن .
وقوله { وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ } وهذا يشمل قتله بعد وجوده ، كما كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الإملاق ، ويعم قتله وهو جنين ، كما قد يفعله بعض الجهلة من النساء ، تطرح نفسها لئلا تحبل إما لغرض فاسد أو ما أشبهه .
وقوله : { وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } قال ابن عباس : يعني لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم . وكذا قال مقاتل . ويؤيد هذا الحديث الذي رواه أبو داود :
حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا بن وهب ، حدثنا عمرو - يعني : ابن الحارث - عن ابن الهاد ، عن عبد الله بن يونس ، عن سعيد المَقْبُري ، عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول حين نزلت آية الملاعنة : " أيما امرأة أدخَلت على قوم من ليس منهم ، فليست من الله في شيء ، ولن يدخلها الله جَنّته ، وأيما رجل جَحَد ولده وهو ينظر إليه ، احتجب الله منه ، وفضحه على رءوس الأولين والآخرين " {[28733]} .
وقوله : { وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } يعني : فيما أمرتهن به من معروف ، ونهيتهن عنه من منكر .
قال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا أبي قال : سمعت الزبير ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس في قوله : { وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } قال : إنما هو شرط شَرَطه الله للنساء {[28734]} .
وقال ميمون بن مِهْرَان : لم يجعل الله لنبيه طاعة إلا لمعروف{[28735]} والمعروف : طاعة .
وقال ابن زيد : أمر الله بطاعة رسوله ، وهو خِيَرة الله من خلقه في المعروف . وقد قال غيره ابن عباس ، وأنس بن مالك ، وسالم بن أبي الجَعْد ، وأبي صالح ، وغير واحد : نهاهن يومئذ عن النوح . وقد تقدم حديث أم عطية في ذلك أيضًا .
وقال ابن جرير : حدثنا بشر ، حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة في هذه الآية : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخذ عليهن النياحة ، ولا تحدثن الرجال إلا رجلا منكن محرمًا . فقال عبد الرحمن بن عوف : يا نبي الله ، إن لنا أضيافًا ، وإنا نغيب عن نسائنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس أولئك عَنَيتُ ، ليس أولئك عَنَيتُ " {[28736]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا إبراهيم بن موسى الفراء ، أخبرنا ابن أبي زائدة ، حدثني مبارك ، عن الحسن قال : كان فيما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا تحدثن الرجال إلا أن تكون ذات محرم ، فإن الرجل لا يزال يحدث المرأة حتى يَمذي بين فخذيه " .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا هارون ، عن عمرو ، عن عاصم{[28737]} عن ابن سيرين ، عن أم عطية الأنصارية قالت : كان فيما اشتُرط علينا{[28738]} من المعروف حين بايعنا{[28739]} ألا ننوح ، فقالت امرأة من بني فلان : إن بني فلان أسعدوني ، فلا حتى أجزيهم{[28740]} فانطلقت فأسعَدتَهم ثم جاءت فبايعت ، قالت : فما وفى منهن غيرها ، وغير أم سليم ابنة مِلْحان أم أنس بن مالك{[28741]} .
وقد روى البخاري هذا الحديث من طريق حفصة بنت سيرين ، عن أم عطية نسيبة الأنصارية رضي الله عنها{[28742]} وقد روي نحوه من وجه آخر أيضًا .
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا أبو نُعَيم ، حدثنا عُمَر بن فروخ القَتَّات ، حدثني مصعب بن نوح الأنصاري قال : أدركت عجوزًا لنا كانت فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : فأتيته لأبايعه ، فأخذ علينا فيما أخذ ألا تنحن . فقالت عجوز : يا رسول الله{[28743]} إن ناسًا قد كانوا {[28744]} أسعدوني على مصائب أصابتني ، وأنهم قد أصابتهم مصيبة ، فأنا أريد أسعدهم . قال : " فانطلقي فكافئيهم " . فانطلقت فكافأتهم ، ثم إنها أتته فبايعته ، وقال : هو {[28745]} المعروف الذي قال الله عز وجل : { وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } {[28746]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا القَعْنَبِي{[28747]} ، حدثنا الحجاج بن صفوان ، عن أسيد{[28748]} بن أبي أسيد البراد ، عن امرأة من المبايعات قالت : كان فيما أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن لا نعصيه في معروف : أن لا نخمش وجوهًاٍّ{[28749]} ولا ننشر شعرًا ، ولا نشق جيبا ، ولا ندعو ويلا .
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا وَكِيع ، عن يزيد مولي الصهباء ، عن شهر بن حَوشب ، عن أم سلمة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : { وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } قال : " النوح " .
ورواه الترمذي في التفسير ، عن عبد بن حُمَيد ، عن أبي نُعَيم - وابن ماجة ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن وكيع - كلاهما عن يزيد بن عبد الله الشيباني مولي{[28750]} الصهباء ، به{[28751]} وقال الترمذي : حسن غريب .
وقال ابن جرير : حدثنا محمد{[28752]} بن سنان القزاز ، حدثنا إسحاق بن إدريس ، حدثنا إسحاق بن عثمان أبو يعقوب ، حدثني إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية ، عن جدته أم عطية قالت : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع نساء الأنصار في بيت ، ثم أرسل إلينا عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، فقام على الباب وسلم علينا ، فرددن - أو : فرددنا - عليه السلام ، ثم قال : " أنا رُسولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكن " . قالت : فقلنا : مرحبًا برسول الله وبرسول رسول الله . فقال : " تبايعن على ألا تشركن بالله شيئا ، ولا تسرقن ولا تزنين ؟ " قالت : فقلنا : نعم . قالت : فمد يده من خارج الباب - أو : البيت - ومددنا أيدينا من داخل البيت ، ثم قال : " اللهم اشهد " . قالت : وأمرنا في العيدين أن نخرج فيه الحُيَّض والعواتق ، ولا جمعة علينا ، ونهانا عن اتباع الجنائز . قال إسماعيل : فسألت جدتي عن قوله : { وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } قالت : النياحة{[28753]} .
وفي الصحيحين من طريق الأعمش ، عن عبد الله بن مُرة ، عن مسروق ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس منا من ضَرَب الخدود ، وشَقَّ الجيوب ، ودعا بدعوى الجاهلية " {[28754]} .
وفي الصحيحين أيضًا عن أبي موسى : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة والحالقة والشاقة{[28755]} .
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا هُدْبَة بن خالد ، حدثنا أبان بن يزيد ، حدثنا يحيى بن أبي كثير : أن زيدًا حدثه : أن أبا سلام حدثه : أن أبا مالك الأشعري حدثه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة . وقال : النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قَطران ودرع من جَرَب " .
ورواه مسلم في صحيحه منفردًا به ، من حديث أبان بن يزيد العطار ، به{[28756]} .
وعن أبي سعيد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة . رواه أبو داودٍّ{[28757]}
{ يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا }نزلت يوم الفتح فإنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء { ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن }يريد وأد البنات ، { ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف } ، في حسنة تأمرهن بها والتقييد بالمعروف مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا به تنبيه على أنه لا يجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق { فبايعهن }بضمان الثواب على الوفاء بهذه الأشياء ، { واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم } .