تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ يُبَايِعۡنَكَ عَلَىٰٓ أَن لَّا يُشۡرِكۡنَ بِٱللَّهِ شَيۡـٔٗا وَلَا يَسۡرِقۡنَ وَلَا يَزۡنِينَ وَلَا يَقۡتُلۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ وَلَا يَأۡتِينَ بِبُهۡتَٰنٖ يَفۡتَرِينَهُۥ بَيۡنَ أَيۡدِيهِنَّ وَأَرۡجُلِهِنَّ وَلَا يَعۡصِينَكَ فِي مَعۡرُوفٖ فَبَايِعۡهُنَّ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُنَّ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (12)

الآية 12 وقوله تعالى : { يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا } الآية : المبايعة والهجرة كانتا واجبتين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومعناهما اليوم واجب أيضا .

وذلك أن الهجرة إنما كانت من مكة إلى المدينة : لما كان أحدهم إذا أسلم يخاف على نفسه من فساد الدين بالكفرة أن لو أقام بين [ أظهرهم ]{[21107]} وكان أيضا يحتاج إلى علم الشرائع والأحكام ، وإنما ارتفعت الهجرة اليوم من مكة إلى المدينة فأما واحد من أهل الحرب إذا أسلم /566-أ/وخشي على نفسه فساد الدين بالكفرة أن لو أقام بين أظهرهم ، فالواجب عليه أن يهاجر منها إلى دار الإسلام ليأمن من فساد دينه ، ويحصل على علم الشرائع .

وأما المبايعة فإن معناها في النساء ترغيب الكفرة في الإسلام ، وفي الرجال حمل الكفرة على الإسلام ، وذلك أن الذي أمر به النساء من المبايعة من مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال ، والكفرة إذا علموا أن هذا يؤمر فيه بمحاسن الأمور رغبهم ذلك في الإسلام .

والذي أمر به الرجال إنما هو من جهة النصر والمجاهدة مع النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يظهر الإسلام ، ويبينه{[21108]} .

وهذان المعنيان على كل في نفسه في زماننا هذا ، والله اعلم .

وقوله تعالى { يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا } يتوجه إلى الاعتقاد والمعاملة جميعا .

وقوله تعالى : { ولا يسرقن } يتضمن النهي عن الخيانة في الأموال كافة والنقصان عن العبادة جملة لأنه يقال : أسرف السارق : من سرق في صلاته .

وقوله تعالى : { ولا يزنين } يحتمل أن يكون على حقيقة الزنى وعلى دواعيه على ما روي عن قوله عز وجل : " اليدان تزنيان والعينان تزنيان والرجلان تزنيان والفرج يصدق ذلك " [ مسلم 2657/21 ] .

وقوله تعالى { ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن } يحتمل أن يكون نهيا عن النميمة [ ويجوز أن يكون نهيا ] {[21109]}عن إلحاق الولد بأزواجهن ، وهن يعلمن أنه من الزنى . وهكذا روي عن ابن عباس رضي الله عنه .

وقوله تعالى : { ولا يعصينك في معروف } ؟ كأنه {[21110]} أمرهن أن ينتهين عن هذه المناهي وأن يتبعن أمره ، ألا ترى إلى قوله : { ويأمرون بالمعروف } [ آل عمران : 104 و . . . ] يجوز أن يكون هذا كناية عن الأمر لأنه بين النواهي والمناكير ، ثم قال : { ولا يعصينك في معروف } ؟ .

وقوله تعالى : { فبايعهن واستغفر لهن الله } لم يقل ههنا : امتحنوهن كما قال في المهاجرات . ومعنى ذلك عندنا [ في وجهين ] {[21111]} :

أحدهما : انه قد تبين ههنا وجه الامتحان بقوله : { على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين } فاستغنى عن ذكر الامتحان .

والوجه الثاني : أن المهاجرات إنما كن يأتين من دار الحرب ، ولم يكن علمن الشرائع ، فاحتجن إلى الامتحان .

وأما هؤلاء فكن {[21112]} في دار الإسلام ، وقد علمن شرائعه ، فلم يذكر الامتحان لذلك والله أعلم .

وقوله تعالى : { واستغفر لهن } هذا يدل على أن الكبائر لا تخرج {[21113]} من الإيمان لأنه يعلم أن الاستغفار لما يجئ منهن من تضييع هذه الحدود ، ولو خرجن بتضييعها من الإيمان لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستغفار لهن ، لأن الاستغفار طلب المغفرة ، ويستحيل أن يطلب منه مغفرة من ليس له غفرانه ، فدل ما وصفنا أن ارتكاب الكبائر لا يخرج صاحبه من الإيمان ، والله أعلم .


[21107]:من م، ساقطة من الأصل.
[21108]:في الأصل و م: ويبين.
[21109]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل و م.
[21110]:في الأصل و م فكأنه.
[21111]:في الأصل وم: وجهان.
[21112]:الفاء ساقطة من الأصل و م
[21113]:في الأصل و م: تخرجن.