تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ثُمَّ كَانَ عَلَقَةٗ فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ} (38)

{ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى } أي : فصار علقة ، ثم مضغة ، ثم شُكّل ونفخ فيه الروح ، فصار خلقا آخر سَويًا سليم الأعضاء ، ذكرا أو أنثى بإذن الله وتقديره ؛ ولهذا قال : { فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى }

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ثُمَّ كَانَ عَلَقَةٗ فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ} (38)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ثم كان} بعد النطفة {علق فخلق فسوى} الله خلقه.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"ثُمّ كانَ عَلَقَةً" يقول تعالى ذكره: ثم كان دما من بعد ما كان نطفة، ثم علقة، ثم سوّاه بشرا سويا، ناطقا سميعا بصيرا.

"فَجَعَلَ مِنْهُ الزّوْجَينِ الذّكَرَ والأُنْثَى" يقول تعالى ذكره: فجعل من هذا الإنسان بعد ما سوّاه خلقا سويا أولادا له، ذكورا وإناثا.

"ألَيْسَ ذلكَ بقادِرٍ على أنْ يُحْيِيَ المَوْتَى" يقول تعالى ذكره: أليس الذي فعل ذلك فخلق هذا الإنسان من نطفة، ثم علقة حتى صيره إنسانا سويا، له أولاد ذكور وإناث، بقادر على أن يُحييَ الموتى من مماتهم، فيوجدهم كما كانوا من قبل مماتهم. يقول: معلوم أن الذي قَدر على خَلق الإنسان من نطفة من منيّ يمنى، حتى صيره بشرا سويا، لا يُعجزه إحياء ميت من بعد مماته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ذلك قال: «بلى».

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 37]

{ألم يك نطفة من منيّ يُمنى} {ثم كان علقة فخلق فسوّى} {فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى} والوجه فيه أن كل أحد يعلم أن نشوءه كان من نطفة، وتلك النطفة لو رئيت موضوعة على طبق، ثم اجتمع حكماء الأرض على أن يقدروا منها بشرا سويا كما قدره الله تعالى في تلك الظلمات لم يصلوا إليه أبدا، وإن استفرغوا جهودهم، وأنفدوا حيلهم وقواهم، ولو أرادوا أن يتعرفوا المعنى الذي لذلك المعنى صلحت النطفة على أن ينشأ منها العلقة والمضغة إلى أن ينشأ بشر سوي عليه، لعلموا أن من بلغت قدرته هذا، هو أحكم الحاكمين.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

أما قوله تعالى: {فخلق فسوى} ففيه وجهان:

(الأول): فخلق فقدر فسوى فعدل.

(الثاني): فخلق، أي فنفخ فيه الروح، فسوى فكمل أعضاءه.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

{فسوى}: أي سواه شخصاً مستقلاً.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 37]

وفي غير تعقيد ولا غموض يأتي بالدلائل الواقعة البسيطة التي تشهد بأن الإنسان لن يترك سدى.. إنها دلائل نشأته الأولى..

ثم من ذا الذي خلقها بعد ذلك جنينا معتدلا منسق الأعضاء؟ مؤلفا جسمه من ملايين الملايين من الخلايا الحية، وهو في الأصل خلية واحدة مع بويضة؟ والرحلة المديدة التي قطعها من الخلية الواحدة إلى الجنين السوي -وهي أطول بمراحل من رحلته من مولده إلى مماته- والتغيرات التي تحدث في كيانه في الرحلة الجنينية أكثر وأوسع مدى من كل ما يصادفه من الأحداث في رحلته من مولده إلى مماته! فمن ذا الذي قاد هذه الرحلة المديدة، وهو خليقة صغيرة ضعيفة، لا عقل لها ولا مدارك ولا تجارب؟! ألم يك نطفة صغيرة من الماء، من مني يمنى ويراق؟ ألم تتحول هذه النطفة من خلية واحدة صغيرة إلى علقة ذات وضع خاص في الرحم، تعلق بجدرانه لتعيش وتستمد الغذاء؟ فمن ذا الذي ألهمها هذه الحركة؟ ومن ذا الذي أودعها هذه القدرة؟ ومن ذا الذي وجهها هذا الإتجاه؟

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

أعجب من كونه نطفةً لأنه صار علقة بعد أن كان ماءً، فاختلط بما تفرزه رحم الأنثى من البويضات، فكان من مجموعهما عَلقة كما تقدم في فائدة التقييد بقوله في سورة النجم (46) {من نطفة إذا تمنى} ولما كان تكوينه علقة هو مبدأ خلق الجسم عطف عليه قوله: فخلق} بالفاء، لأن العلقة يعقبها أن تصير مضغة إلى أن يتم خلق الجسد وتنفخ فيه الروح.

والتسوية: جعل الشيء سواء، أي معدلاً مقوماً.