قال البخاري : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن أخي ابن شهاب ، عن عمه قال : أخبرني عروة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، أخبرته : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ } إلى قوله : { غَفُورٌ رَحِيمٌ } قال عروة : قالت عائشة : فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات ، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد بايعتك " ، كلامًا ، ولا والله ما مست يده يد امرأة قَطّ في المبايعة ، ما يبايعهن إلا بقوله : " قد بايعتك على ذلك " هذا لفظ البخاري{[28701]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان ، عن محمد بن المُنْكَدِر ، عن أميمة بنت رُقَيقة قالت : أتيت رسول الله{[28702]} صلى الله عليه وسلم في نساء لنبايعه ، فأخذ علينا ما في القرآن : { أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا } الآية ، وقال : " فيما استطعتن وأطقتن " ، قلنا : الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا ، قلنا : يا رسول الله ، ألا تصافحنا ؟ قال " إني لا أصافح النساء ، إنما قولي لامرأة واحدة {[28703]} كقولي لمائة امرأة " .
هذا إسناد صحيح ، وقد رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة ، من حديث سفيان بن عيينة - والنسائي أيضًا من حديث الثوري - ومالك بن أنس كلهم ، عن محمد بن المنكدر ، به{[28704]} . وقال الترمذي : حسن صحيح ، لا نعرفه إلا من حديث محمد بن المنكدر .
وقد رواه أحمد أيضا من حديث محمد ابن إسحاق ، عن محمد بن المنكدر ، عن أميمة ، به . وزاد : " ولم يصافح منا امرأة " {[28705]} . وكذا رواه ابن جرير من طريق موسى بن عقبة ، عن محمد بن المنكدر ، به{[28706]} . ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي جعفر الرازي ، عن محمد بن المنكدر : حدثتني أميمة بنت رقيقة - وكانت أخت خديجة خالة فاطمة ، من فيها إلى في ، فذكره .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثني سليط بن أيوب بن الحكم بن سُلَيم ، عن أمه سلمى بنت قيس - وكانت إحدى خالات رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلت معه القبلتين ، وكانت إحدى نساء بني عدي بن النجار - قالت : جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم نبايعه في نسوة من الأنصار ، فلما شرط علينا : ألا نشرك بالله شيئًا ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف - قال : " ولا تغشُشْن أزواجكن " . قالت : فبايعناه ، ثم انصرفنا ، فقلت لامرأة منهن : ارجعي فسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما غش أزواجنا ؟ قال : فسألته فقال : " تأخذ ماله ، فتحابي به غيره " {[28707]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن أبي العباس ، حدثنا عبد الرحمن بن عثمان بن إبراهيم بن محمد بن حاطب ، حدثني أبي ، عن أمه عائشة بنت قُدَامة - يعني : ابن مظعون - قالت : أنا مع أمي رائطة بنت سفيان الخزاعية ، والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع النسوة ويقول : " أبايعكنّ على أن لا تشركن بالله شيئًا ، ولا تسرقن ، ولا تزنين ، ولا تقتلن أولادكن ، ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن ، ولا تعصينني في معروف " . [ قالت : فأطرقن . فقال لهن النبي صلى الله عليه وسلم ]{[28708]} قُلن : نعم فيما استطعتن " . فَكُنّ يقلن وأقول معهن ، وأمي تُلقّني : قولي {[28709]} أي بنية ، نعم [ فيما استطعتُ ]{[28710]} . فكنت أقول كما يقلنٍّ-{[28711]}
وقال البخاري : حدثنا أبو مَعْمَر ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا أيوب ، عن حفصة بنت سيرين ، عن أم عطية قالت : بَايَعْنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقرأ{[28712]} علينا : { أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا } ونهانا عن النياحة ، فقبضت امرأة يدها ، قالت : أسعدتني فلانة أريد أن أجزيها . فما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، فانطلقت ورجعت فبايعها .
ورواه مسلم{[28713]} . وفي رواية : " فما وفى منهن امرأة غيرها ، وغير أم سليم ابنة ملحان " .
وللبخاري عن أم عطية قالت : أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند البيعة ألا ننوح ، فما وَفّت منا امرأة غير خمس نسوة : أم سليم ، وأم العلاء ، وابنة أبي سبرة امرأة معاذ ، وامرأتان - أو : ابنة أبي سَبرة ، وامرأة معاذ ، وامرأة أخرى{[28714]} .
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعاهدُ النساءَ بهذه البيعة يوم العيد ، كما قال البخاري :
حدثنا محمد بن عبد الرحيم ، حدثنا هارون بن{[28715]} معروف ، حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرني ابن جُرَيج : أن الحسن بن مسلم أخبره ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : شهدت الصلاة يوم الفطر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب بَعدُ ، فنزل نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فكأني أنظر إليه حين{[28716]} يُجَلَّس الرجالَ بيده ، ثم أقبل يَشقّهم حتى أتى النساء مع بلال فقال : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } حتى فرغ من الآية كلها . ثم قال حين فرغ : " أنتن على ذلك ؟ " . فقالت امرأة واحدة ، ولم يجبه غيرها : نعم يا رسول الله - لا يدري الحسن{[28717]} من هي - قال : " فتصدقن " ، قال : وبسط بلال ثوبه فجعلن{[28718]} يلقين الفَتَخَ والخواتيم في ثوب بلال{[28719]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا ابن عياش ، عن سليمان بن سُليم ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : جاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام ، فقال : " أبايعك على ألا تشركي بالله شيئًا ، ولا تسرقي ، ولا تزني ، ولا تقتلي ولدك ، ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يَديك ورجليك ، ولا تنوحي ، ولا تبرجي تبرج الجاهلية الأولى " {[28720]}
وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن عبادة بن الصامت قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال : " تبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئًا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم - قرأ الآية التي أخذت على النساء { إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ } فمن وفى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به ، فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله عليه ، فهو إلى الله ، إن شاء غفر له ، وإن شاء عذبه " . أخرجاه في الصحيحين{[28721]} .
وقال محمد ابن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن مرثد{[28722]} بن عبد الله اليَزني{[28723]} عن أبي عبد الله عبد الرحمن بن عُسَيلة الصُّنَابجي{[28724]} ، عن عبادة بن الصامت قال : كنت فيمن حضر العقبة الأولى ، وكنا اثني عشر رجلا فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء ، وذلك قبل أن يفرض الحرب ، على ألا نشرك بالله شيئًا ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف ، وقال : " فإن وَفَيتم فلكم الجنة " رواه ابن أبي حاتم .
وقد روي ابن جرير من طريق العوفي ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب فقال : " قل لهن : إن رسول الله يبايعكن على ألا تشركن بالله شيئًا " - وكانت هند بنت عتبة بن ربيعة التي شقت بطن حمزة مُنَكرة في النساء - فقالت : " إني إن أتكلم يعرفني ، وإن عرفني قتلني " . وإنما تنكرت فرقًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسكت النسوة اللاتي مع هند ، وأبين أن يتكلمن . فقالت هند وهي مُنَكَّرة : كيف تقبل من النساء شيئًا لم تقبله من الرجال ؟ ففطن{[28725]} إليها رسول الله وقال لعمر : " قل لهن : ولا تسرقن " . قالت هند : والله إني لأصيب من أبي سفيان الهَنَات ، ما أدري أيحلهن لي أم لا ؟ قال أبو سفيان : ما أصبت من شيء مضى أو قد بقي ، فهو لك حلال . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها ، فدعاها فأخذت بيده ، فعاذت{[28726]} به ، فقال : " أنت هند ؟ " . قالت : عفا الله عما سلف . فصرف عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ولا يزنين " ، فقالت : يا رسول الله ، وهل تزني الحرة ؟ قال : " لا والله ما تزني الحرة " . فقال : " ولا يقتلن أولادهن " . قالت هند : أنت قتلتهم يوم بدر ، فأنت وهم أبصر . قال : { وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } قال :{ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } قال : منعهن أن ينحن ، وكان أهل الجاهلية يمزقن الثياب ويخدشن الوجوه ، ويقطعن الشعور ، ويدعون بالثبور . والثبور : الويل{[28727]} .
وهذا أثر غريب ، وفي بعضه نكارة ، والله أعلم ؛ فإن أبا سفيان وامرأته لما أسلما لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيفهما ، بل أظهر الصفاء والود له ، وكذلك كان الأمر من جانبه ، عليه السلام ، لهما .
وقال مقاتل بن حيان : أنزلت هذه الآية يوم الفتح ، فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال على الصفا ، وعمر يبايع النساء تحتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر بقيته كما تقدم وزاد : فلما قال : { وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ } قالت هند : ربيناهم صغارًا فقتلتموهم كبارا . فضحك عمر بن الخطاب حتى استلقى . رواه بن أبي حاتم .
وقال بن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا نصر بن علي ، حدثتني عطية بنت سليمان ، حدثني عمتي ، عن جدتها{[28728]} عن عائشة قالت : جاءت هند بنت عتبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتبايعه ، فنظر إلى يدها فقال : " اذهبي فغيري يدك " . فذهبت فغيرتها بحناء ، ثم جاءت فقال : " أبايعك على ألا تشركي بالله شيئا " ، فبايعها وفي يدها سواران من ذهب ، فقالت : ما تقول في هذين السوارين ؟ فقال : " جمرتان من جمر جهنم " {[28729]} .
فقوله : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ } أي : من جاءك منهن يبايع على هذه الشروط فبايعها ، { عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ } أي : أموال الناس الأجانب ، فأما إذا كان الزوج مقصرًا في نفقتها ، فلها أن تأكل من ماله بالمعروف ، ما جرت به عادة أمثالها ، وإن كان بغير علمه ، عملا بحديث هند بنت عتبة أنها قالت : يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل شَحِيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني ، فهل عليَّ جناح إن أخذت من ماله بغير علمه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك " . أخرجاه في الصحيحين{[28730]} .
وقوله : { وَلا يَزْنِينَ } كقوله { وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا } [ الإسراء : 32 ] . وفي حديث سَمُرة ذكرُ عقوبة الزناة بالعذاب الأليم في نار الجحيم {[28731]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا مَعْمَر ، عن الزهري ، عن عُرْوة ، عن عائشة قالت : جاءت فاطمة بنت عتبة تبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ عليها : { أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ } الآية ، قالت : فوضعت يدها على رأسها حياء ، فأعجبه ما رأى منها ، فقالت عائشة : أقري أيتها المرأة ، فوالله ما بايعنا إلا على هذا . قالت : فنعم إذًا . فبايعها بالآية{[28732]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا ابن فضيل ، عن حصين ، عن عامر - هو الشعبي - قال : بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء ، وعلى يده ثوب قد وضعه على كفه ، ثم قال : " ولا تقتلن أولادكن " . فقالت امرأة : تقتل آباءهم وتوصينا بأولادهم ؟ قال : وكان بعد ذلك إذا جاءت النساء يبايعنه ، جمعهن فعرض عليهن ، فإذا أقررن رجعن .
وقوله { وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ } وهذا يشمل قتله بعد وجوده ، كما كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الإملاق ، ويعم قتله وهو جنين ، كما قد يفعله بعض الجهلة من النساء ، تطرح نفسها لئلا تحبل إما لغرض فاسد أو ما أشبهه .
وقوله : { وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } قال ابن عباس : يعني لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم . وكذا قال مقاتل . ويؤيد هذا الحديث الذي رواه أبو داود :
حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا بن وهب ، حدثنا عمرو - يعني : ابن الحارث - عن ابن الهاد ، عن عبد الله بن يونس ، عن سعيد المَقْبُري ، عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول حين نزلت آية الملاعنة : " أيما امرأة أدخَلت على قوم من ليس منهم ، فليست من الله في شيء ، ولن يدخلها الله جَنّته ، وأيما رجل جَحَد ولده وهو ينظر إليه ، احتجب الله منه ، وفضحه على رءوس الأولين والآخرين " {[28733]} .
وقوله : { وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } يعني : فيما أمرتهن به من معروف ، ونهيتهن عنه من منكر .
قال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا أبي قال : سمعت الزبير ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس في قوله : { وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } قال : إنما هو شرط شَرَطه الله للنساء {[28734]} .
وقال ميمون بن مِهْرَان : لم يجعل الله لنبيه طاعة إلا لمعروف{[28735]} والمعروف : طاعة .
وقال ابن زيد : أمر الله بطاعة رسوله ، وهو خِيَرة الله من خلقه في المعروف . وقد قال غيره ابن عباس ، وأنس بن مالك ، وسالم بن أبي الجَعْد ، وأبي صالح ، وغير واحد : نهاهن يومئذ عن النوح . وقد تقدم حديث أم عطية في ذلك أيضًا .
وقال ابن جرير : حدثنا بشر ، حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة في هذه الآية : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخذ عليهن النياحة ، ولا تحدثن الرجال إلا رجلا منكن محرمًا . فقال عبد الرحمن بن عوف : يا نبي الله ، إن لنا أضيافًا ، وإنا نغيب عن نسائنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس أولئك عَنَيتُ ، ليس أولئك عَنَيتُ " {[28736]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا إبراهيم بن موسى الفراء ، أخبرنا ابن أبي زائدة ، حدثني مبارك ، عن الحسن قال : كان فيما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا تحدثن الرجال إلا أن تكون ذات محرم ، فإن الرجل لا يزال يحدث المرأة حتى يَمذي بين فخذيه " .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا هارون ، عن عمرو ، عن عاصم{[28737]} عن ابن سيرين ، عن أم عطية الأنصارية قالت : كان فيما اشتُرط علينا{[28738]} من المعروف حين بايعنا{[28739]} ألا ننوح ، فقالت امرأة من بني فلان : إن بني فلان أسعدوني ، فلا حتى أجزيهم{[28740]} فانطلقت فأسعَدتَهم ثم جاءت فبايعت ، قالت : فما وفى منهن غيرها ، وغير أم سليم ابنة مِلْحان أم أنس بن مالك{[28741]} .
وقد روى البخاري هذا الحديث من طريق حفصة بنت سيرين ، عن أم عطية نسيبة الأنصارية رضي الله عنها{[28742]} وقد روي نحوه من وجه آخر أيضًا .
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا أبو نُعَيم ، حدثنا عُمَر بن فروخ القَتَّات ، حدثني مصعب بن نوح الأنصاري قال : أدركت عجوزًا لنا كانت فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : فأتيته لأبايعه ، فأخذ علينا فيما أخذ ألا تنحن . فقالت عجوز : يا رسول الله{[28743]} إن ناسًا قد كانوا {[28744]} أسعدوني على مصائب أصابتني ، وأنهم قد أصابتهم مصيبة ، فأنا أريد أسعدهم . قال : " فانطلقي فكافئيهم " . فانطلقت فكافأتهم ، ثم إنها أتته فبايعته ، وقال : هو {[28745]} المعروف الذي قال الله عز وجل : { وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } {[28746]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا القَعْنَبِي{[28747]} ، حدثنا الحجاج بن صفوان ، عن أسيد{[28748]} بن أبي أسيد البراد ، عن امرأة من المبايعات قالت : كان فيما أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن لا نعصيه في معروف : أن لا نخمش وجوهًاٍّ{[28749]} ولا ننشر شعرًا ، ولا نشق جيبا ، ولا ندعو ويلا .
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا وَكِيع ، عن يزيد مولي الصهباء ، عن شهر بن حَوشب ، عن أم سلمة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : { وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } قال : " النوح " .
ورواه الترمذي في التفسير ، عن عبد بن حُمَيد ، عن أبي نُعَيم - وابن ماجة ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن وكيع - كلاهما عن يزيد بن عبد الله الشيباني مولي{[28750]} الصهباء ، به{[28751]} وقال الترمذي : حسن غريب .
وقال ابن جرير : حدثنا محمد{[28752]} بن سنان القزاز ، حدثنا إسحاق بن إدريس ، حدثنا إسحاق بن عثمان أبو يعقوب ، حدثني إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية ، عن جدته أم عطية قالت : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع نساء الأنصار في بيت ، ثم أرسل إلينا عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، فقام على الباب وسلم علينا ، فرددن - أو : فرددنا - عليه السلام ، ثم قال : " أنا رُسولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكن " . قالت : فقلنا : مرحبًا برسول الله وبرسول رسول الله . فقال : " تبايعن على ألا تشركن بالله شيئا ، ولا تسرقن ولا تزنين ؟ " قالت : فقلنا : نعم . قالت : فمد يده من خارج الباب - أو : البيت - ومددنا أيدينا من داخل البيت ، ثم قال : " اللهم اشهد " . قالت : وأمرنا في العيدين أن نخرج فيه الحُيَّض والعواتق ، ولا جمعة علينا ، ونهانا عن اتباع الجنائز . قال إسماعيل : فسألت جدتي عن قوله : { وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ } قالت : النياحة{[28753]} .
وفي الصحيحين من طريق الأعمش ، عن عبد الله بن مُرة ، عن مسروق ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس منا من ضَرَب الخدود ، وشَقَّ الجيوب ، ودعا بدعوى الجاهلية " {[28754]} .
وفي الصحيحين أيضًا عن أبي موسى : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة والحالقة والشاقة{[28755]} .
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا هُدْبَة بن خالد ، حدثنا أبان بن يزيد ، حدثنا يحيى بن أبي كثير : أن زيدًا حدثه : أن أبا سلام حدثه : أن أبا مالك الأشعري حدثه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة . وقال : النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قَطران ودرع من جَرَب " .
ورواه مسلم في صحيحه منفردًا به ، من حديث أبان بن يزيد العطار ، به{[28756]} .
وعن أبي سعيد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة . رواه أبو داودٍّ{[28757]}
القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا النّبِيّ إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىَ أَن لاّ يُشْرِكْنَ بِاللّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهُتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنّ وَأَرْجُلِهِنّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنّ اللّهَ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { يا أيّها النّبِيّ إذَا جاءَك المُؤمِناتُ يُبايِعْنَكَ على أنْ لا يُشْرِكُنَ باللّهِ شَيْئا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أوْلادَهُنّ وَلا يأْتِينَ بِبُهْتان يَفْتَرِينَهُ بَينَ أيْدِيهِن وأرْجُلُهِنّ }يقول : ولا يأتين بكذب يكذبنه في مولود يوجد بين أيديهنّ وأرجلهنّ . وإنما معنى الكلام : ولا يلحقن بأزواجهنّ غير أولادهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { وَلا يأْتِينَ بِبُهْتان يَفْتَرِينَهُ بَينَ أيْدِيهِن وأرْجُلُهِنّ }يقول : لا يلحقن بأزواجهنّ غير أولادهم .
وقوله : { وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ }يقول : ولا يعصينك يا محمد في معروف من أمر الله عزّ وجلّ تأمرهنّ به . وذُكر أن ذلك المعروف الذي شرط عليهنّ أن لا يعصين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه هو النياحة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثنا معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ }يقول : لا يُنحْن .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن سفيان ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد ، { وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ } ، قال : النوح .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد ، مثله .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن سالم ، مثله .
حدثنا محمد بن عبيد المحاربيّ ، قال : حدثنا موسى بن عمير ، عن أبي صالح ، في قوله : { وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ }قال : في نياحة .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد { وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ }قال : النوح .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن زيد بن أسلم { وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ }قال : لا يخدشن وجها ، ولا يشققن جيبا ، ولا يدعونّ ويلاً ، ولا ينشدن شعرا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : كانت محنة النساء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : قل لهنّ : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايعكنّ على أن لا تشركن بالله شيئا ، وكانت هند بنت عتبة بن ربيعة التي شقت بطن حمزة رحمة الله عليه متنكرة في النساء ، فقالت : إني إن أتكلم يعرفني ، وإن عرفني قتلني ، وإنما تنكرت فرقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسكت النسوة اللاتي مع هند ، وأبين أن يتكلمن قالت هند وهي متنكرة : وكيف يقبل من النساء شيئا لم يقبله من الرجال ؟ فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لعمر : «قُلْ لَهُنّ وَلا يَسْرِقْنَ » ، قالت هند : والله إني لأصيب من أبى سفيان الهات وما أدري أيحلهنّ لي أم لا ، قال أبو سفيان : ما أصبت من شيء مضى ، أو قد بقي ، فهو لك حلال ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها ، فدعاها فأتته ، فأخذت بيده ، فعاذت به ، فقال : «أنْتِ هِنْدٌ » ، فقالت : عفا الله عما سلف ، فصرف عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : { وَلا يَزْنِينَ }فقالت : يا رسول الله وهل تزني الحرّة ؟ قال : «لا والله ما تَزْنِي الحُرّةُ » قال : وَلا يَقْتُلْنَ أوْلادَهُنّ ، قالت هند : أنت قتلتهم يوم بدر فأنت وهم أبصر قال : { وَلا يأْتِينَ بِبُهْتان يَفْتَرِينَهُ بَينَ أيْدِيهِن وأرْجُلُهِنّ وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ }قال : منعهنّ أن ينحن ، وكان أهل الجاهلية يمزّقن الثياب وَيَخْدِشْن الوجوه ، ويقطّعن الشعور ، ويدعون بالثّبور والويل .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { يا أيّها النّبِيّ إذَا جاءَكَ المُؤمِناتُ يُبايِعْنَكَ }حتى بلغ { فَبايِعْهُنّ }ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أخذ عليهنّ يومئذ النياحة ، «ولا تحدّثن الرجال ، إلا رجلاً منكنّ مَحْرَما » ، فقال عبد الرحمن بن عوف : يا نبيّ الله إن لنا أضيافا ، وإنا نغيب عن نسائنا قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَيْسَ أُولَئِكَ عَنَيْتُ » .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ قال : هو النوح أُخِذ عليهنّ لا ينحن ، ولا يخلُونّ بحديث الرجال إلا مع ذي مَحْرم قال : فقال عبد الرحمن بن عوف : إنا نغيب ويكون لنا أضياف قال : «ليس أولئك عنيت » .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا سليمان ، قال : أخبرنا أبو هلال ، قال : حدثنا قتادة ، في قوله { وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ } قال : لا يحدثن رجلاً .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني ابن عياش ، عن سليمان بن سليمان ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : جاءت أُميمة بنت رقيقة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : «أُبايِعُكِ على أنْ لا تُشْرِكي باللّهِ شَيْئا ، وَلا تَسْرِقي ، وَلا تَزْنِي ، وَلا تَقْتُلِي وَلَدَك ، وَلا تأْتِي بِبُهْتان تَفْتَرِينَهُ بَينَ يَدَيْكِ وَرِجْلَيْكِ ، وَلا تَنُوحي وَلا تبّرجي تَبّرجَ الجاهِلِيّةِ الأُولى » .
حدثنا ابن حُميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن محمد بن المنكدر ، عن أُميمة بنت رقيقة ، قالت : جاءت نسوة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم يبايعنه ، فقال : «فِيما اسْتَطَعْتُنّ وأطَقْتُنّ » ، فقلنا : الله ورسوله أرحم بنا منا بأنفسنا .
حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا أبي وشعيب بن الليث ، قال : حدثنا خالد بن يزيد ، عن ابن أبي هلال ، عن ابن المنكدر أن أُميمة أخبرته أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة ، فقلن : يا رسول الله ابسط يدك نصافحك ، فقال : «إنّي لا أُصافِحُ النّساءَ ، وَلَكِنْ سآخُذُ عَلَيْكُمّ » ، فأخذ علينا حتى بلغ : وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ فقال : «فِيما أطَقْتُنّ وَاسْتَطَعْتُنّ » فقلن : الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا هارون ، عن عمرو ، عن عاصم ، عن ابن سيرين ، عن أمّ عطية الأنصارية ، قالت : كان فيما اشترط علينا من المعروف حين بايعنا أن لا ننوح ، فقالت امرأة من بني فلان : إن بني فلان أسعدوني ، فلا حتى أجزيهم ، فانطلقت فأسعدتهم ، ثم جاءت فبايعت قال : فما وفى منهن غيرها وغير أمّ سليم ابنة ملحان أمّ أنس بن مالك .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا عمرو بن فروخ القتات ، قال : حدثنا مصعب بن نوح الأنصاري ، قال : «أدركت عجوزا لنا كانت فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : فأتيته لأبايعه ، فأخذ علينا فيما أخذ ولا تُنحنَ ، فقالت عجوز : يا نبيّ الله إن ناسا قد كانوا أسعدوني على مصائب أصابتني ، وإنهم قد أصابتهم مصيبة ، فأنا أريد أن أسعدهم قال : «فانْطَلِقي فَكافِئِيهمْ » ثم إنها أتت فبايعته ، قال : «هو المعروف الذي قال الله » : وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن يزيد ، مولى الصهباء ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في قوله وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ قال : «النوح » .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا يونس ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن المنكدر ، عن أُميمة بنت رقيقة التيمية ، قالت : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة من المسلمين ، فقلنا له : جئناك يا رسول الله نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتيَ ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيك في معروف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فيما اسْتَطعتنّ وأطقتنّ » ، فقلنا : الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا ، فقلنا : بايعنا يا رسول الله ، فقال : «اذْهَبْنَ فَقَدْ بايَعْتُكُنّ ، إنّما قَوْلِي لمئَةِ امْرأةٍ كَقَوْلي لامْرأةٍ وَاحدَةِ » ، وما صافح رسول الله صلى الله عليه وسلم منا أحدا .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن عيسى بن عبد الله التيمي ، عن محمد بن المنكدر ، عن أُميمة بنت رقيقة خالة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : سمعتها تقول : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ علينا أن لا نشرك بالله شيئا ، فذكر مثل حديث محمد بن إسحاق .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن محمد بن المنكدر ، عن أُميمة بنت رقيقة ، قالت : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نساء نبايعه ، قالت : فأخذ علينا النبيّ صلى الله عليه وسلم بما في القرآن أنْ لا يُشْرِكْنَ باللّهَ شَيْئا . . . الآية ، ثم قال : «فيما اسْتَطَعْتُنّ وأطَقْتُنّ » فقلنا : يا رسول الله ألا تصافحنا ؟ فقال : «إنّي لا أُصافِحُ النّساءَ ما قَوْلي لامرأةٍ وَاحدَةِ إلاّ كَقَوْلي لِمِئَةِ امْرأةٍ » .
حدثنا ابن عبد الرحيم البرقي ، قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن زُهير ، عن موسى بن عقبة ، عن محمد بن المنكدر ، عن أُميمة بنت رقيقة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه .
حُدثت ، عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ والمعروف : ما اشترط عليهنّ في البيعة أن يتبعن أمره .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : { وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ }فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيه وخيرته من خلقه ثم لم يستحلّ له أمور أمر إلا بشرط لم يقل : ولا يعصينك ويترك حتى قال : في معروف : فكيف ينبغي لأحد أن يُطاع في غير معروف وقد اشترط الله هذا على نبيه ، قال : فالمعروف كلّ معروف أمرهنّ به في الأمور كلها وينبغي لهنّ أن لا يعصين .
حدثنا محمد بن سنان القزاز ، حدثنا إسحاق بن إدريس ، حدثنا إسحاق بن عثمان بن يعقوب ، قال : ثني إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية ، عن جدته أمّ عطية ، قالت : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، جمع بين نساء الأنصار في بيت ، ثم أرسل إلينا عمر بن الخطاب ، فقام على الباب فسلم علينا ، فرددن ، أو فرددنا عليه ، ثم قال : أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكنّ ، قالت : فقلنا مرحبا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبرسول رسول الله ، فقال : تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئا ، ولا تسرقن ، ولا تزنين ، قالت : قلنا نعم قال : فمدّ يده من خارج الباب أو البيت ، ومددنا أيدينا من داخل البيت ، ثم قال : اللهمّ اشهد قالت : وأمرنا في العيدين أن نخرج فيه الحيض والعواتق ، ولا جمعة علينا ، ونهانا عن اتباع الجنازة ، قال إسماعيل : فسألت جدتي عن قول الله وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ قالت : النياحة .
حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي ، قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن زهير ، في قول الله : { وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ }قال : لا يخلوا الرجل بامرأة .
وقوله : { فَبايِعْهُنّ }يقول جلّ ثناؤه : إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على هذه الشروط ، فبايعهن ، { وَاسْتَغْفِرْ لَهُنّ اللّهَ }يقول : سل لهنّ الله أن يصفح عن ذنوبهنّ ، ويسترها عليهنّ بعفوه لهنّ عنها ، { إنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }يقول : إن الله ذو ستر على ذنوب من تاب إليه من ذنوبه أن يعذّبه عليها بعد توبته منها .
هذه تكملة لامتحان النساء المتقدم ذكره في قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن } الآية [ الممتحنة : 10 ] . وبيان لتفصيل آثاره . فكأنه يقول : فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهنّ إلى الكفار وبَينُوا لهن شرائع الإِسلام . وآية الامتحان عقب صلح الحديبية في شأن من هاجرن من مكة إلى المدينة بعد الصلح وهن : أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، وسبيعة الأسلمية ، وأميمة بنت بشر ، وزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا صحة للأخبار التي تقول : إن الآية نزلت في فتح مكة ومنشؤها التخليط في الحوادث واشتباه المكرر بالآنف .
روى البخاري ومسلم عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر من المؤمنات بهذه الآية { يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك } إلى قوله : { غفور رحيم } فمن أقرّ بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله : قد بايعتُكِ .
والمقتضى لهذه البيعة بعد الإِمتحان أنهن دخلن في الإِسلام بعد أن استقرت أحكام الدين في مدة سنين لم يشهدن فيها ما شهده الرجال من اتساع التشريع آنا فآنا ، ولهذا ابتدئت هذه البيعة بالنساء المهاجرات كما يؤذن به قوله : { إذا جاءك المؤمنات } ، أي قدمن عليك من مكة فهي على وزان قوله : { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات } [ الممتحنة : 10 ] . قال ابن عطية : كانت هذه البيعة ثاني يوم الفتح على جبل الصفا .
وأجرى النبي صلى الله عليه وسلم هذه البيعة على نساء الأنصار أيضاً . روى البخاري عن أم عطية قالت : بايَعَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا { أن لا يشركن بالله شيئاً } الحديث .
وفيه عن ابن عباس قال : شهدت الصلاة يوم الفطر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الخطبة فنزل نبيء الله فكأني أنظر إليه حين يجلِّس الرجال بيده ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء مع بلال فقال : { يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن } حتى فرغ من الآية كلها . ثم قال حين فرغ : أنتُنّ على ذلك فقالت امرأة منهنّ واحدة لم يجبه غيرها : نعم يا رسول الله . قال : « فتصدقن » .
وأجرى هذه المبايعة على الرجال أيضاً . ففي « صحيح البخاري » عن عبادة بن الصامت قال : « كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أتبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تزنوا ولا تسرقوا ، وقرأ آية النساء ( أي النازلة بخطاب النساء في سورة الممتحنة ) فمن وفَى منكم فأجره على الله . ومن أصاب من ذلك شَيئاً فعوقب به فهو كفارة له . ومن أصاب منها شيئاً فستره الله فهو إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له » .
واستمر العمل بهذه المبايعة إلى يوم فتح مكة وقد أسلم أهلها رجالاً ونساء فجلس ثاني يوم الفتح على الصفا يأخذ البيعة من الرجال على ما في هذه الآية ، وجلس عمر بن الخطاب يأخذ البيعة من النساء على ذلك ، وممن بايعته من النساء يومئذٍ هند بنت عتبة زوج أبي سفيان وكبشة بنت رافع .
وجملة { يبايعنك } يجوز أن تكون حالاً من { المؤمنات } على معنى : يُردن المبايعة وهي المذكورة في هذه الآية . وجواب { إذا } { فبايعهن } .
ويجوز أن تكون جملة { يبايعنك } جواب { إذا } .
ومعنى { إذا جاءك المؤمنات } ، أي الداخلات في جماعة المؤمنين على الجملة والإِجمال ، لا يعلمن أصولَ الإِسلام وبيّنه بقوله : { يبايعنك } فهو خبر مراد به الأمر ، أي فليبايعنك وتكون جملة { فبايعهن } تفريعاً لجملة { يبايعنك } وليبنى عليها قوله : { واستغفر لهن الله } .
وقد شملت الآية التخلي عن خصال في الجاهلية وكانت السرقة فيهن أكثر منها في الرجال . قال الأعرابي لما وَلدت زوجهُ بنتاً : والله ما هي بِنعْمَ الولدُ بَزّها بكاء ونَصرُها سرقة .
والمراد بقتل الأولاد أمران : أحدهما الوأد الذي كان يفعله أهل الجاهلية ببناتهم ، وثانيهما إسقاط الأجنة وهو الإِجهاض .
وأسند القتل إلى النساء وإن كان بعضه يفعله الرجال لأن النساء كنّ يرضين به أو يَسكتن عليه .
والبهتان : الخبر المكذوب الذي لا شبهة لكاذبه فيه لأنه يبهت من ينقل عنه .
والافتراء : اختلاق الكذب ، أي لا يختلقن أخباراً بأشياء لم تقع .
وقوله : { بين أيديهن وأرجلهن } يتعلق ب { يأتين } ، وهذا من الكلام الجامع لمعان كثيرة باختلاف محامله من حقيقة ومجاز وكناية ، فالبهتان حقيقته : الإِخبار بالكذب وهو مصدر . ويطلق المصدر على اسم المفعول كالخلق بمعنى المخلوق .
وحقيقة بين الأيدي والأرجل : أن يكون الكذب حاصلاً في مكان يتوسط الأيدي والأرجل فإن كان البهتان على حقيقته وهو الخبر الكاذب كان افتراؤه بين أيديهن وأرجلهن أنه كَذب مواجهةً في وجه المكذوب عليه كقولها : يا فلانة زنيت مع فلان ، أو سرقتتِ حلي فلانة . لتبهتها في ملأٍ من الناس ، أو أنت بنت زِنا ، أو نحو ذلك .
وإن كان البهتان بمعنى المكذوب كان معنى افترائه بين أيديهن وأرجلهن كناية عن ادعاء الحمل بأن تشرب ما ينفخ بطنها فتوهم زوجها أنها حامل ثم تظهر الطلق وتأتي بولد تلتقطه وتنسبه إلى زوجها لئلا يطلقها ، أو لئلا يرثه عصبته ، فهي تعظم بطنها وهو بين يديها ، ثم إذا وصل إبان إظهار الطلق وضعت الطفل بين رجليها وتحدثتْ وتحدث الناس بذلك فهو مبهوت عليه . فالافتراء هو ادعاؤها ذلك تأكيداً لمعنى البهتان .
وإن كان البهتان مستعاراً للباطل الشبيه بالخبرِ البهتاننِ ، كان { بين أيديهن وأرجلهن } محتملاً للكناية عن تمكين المرأة نفسها من غير زوجها يقبلها أو يحبسها ، فذلك بين يديها أو يزني بها ، وذلك بين أرجلها .
وفسره أبو مسلم الأصفهاني بالسحر إذ تعالج أموره بيديها ، وهي جالسة تضع أشياء السحر بين رجليها .
ولا يمنع من هذه المحامل أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع الرجال بمثلها . وبعض هذه المحامل لا يتصور في الرجال إذ يؤخذ لكل صنف ما يصلح له منها .
وبعد تخصيص هذه المنهيات بالذكر لخطر شأنها عمم النهي بقوله : { ولا يعصينك في معروف } والمعروف هو ما لا تنكره النفوس . والمراد هنا المعروف في الدين ، فالتقييد به إما لمجرد الكشف فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا بالمعروف ، وإما لقصد التوسعة عليهن في أمر لا يتعلق بالدين كما فعلتْ بريرة إذْ لم تقبل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في إرجاعها زوجَها مُغيثاً إذ بانت منه بسبب عتقها وهو رقيق .
وقد روي في « الصحيح » عن أمّ عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهنّ في هذه المبايعة عن النياحة فقبضت امرأةٌ يدها وقالت : أسعدَتْني فلانةُ أريد أن أَجزِيها . فما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فانطلقتْ ورجعت فبايَعها . وإنما هذا مثال لبعض المعروف الذي يأمرهن به النبي صلى الله عليه وسلم تركه فاش فيهن .
وورد في أَخبار أنه نهاهن عن تَبرج الجاهلية وعن أن يُحدثن الرجال الذين ليسوا بمحرم فقال عبد الرحمان بن عوف : يا نبيء الله إن لنا أضيافاً وإنا نغيب ، قال رسول الله : ليس أولئك عنيتُ . وعن ابن عباس : نهاهنّ عن تمزيق الثياب وخدش الوجوه وتقطيع الشعور والدعاء بالويل والثبور ، أي من شؤون النياحة في الجاهلية .
وروى الطبري بسنده إلى ابن عباس لمَّا أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعة على النساء كانت هندٌ بنتُ عتبةَ زوجُ أبي سفيان جالسة مع النساء متنكرة خوفاً من رسول الله أن يقتصَّ منها على شَقها بطن حمزة وإخراجِها كبدَه يوم أُحد . فلما قال : { على أن لا يشركن بالله شيئاً } ، قالت هند : وكيف نَطمع أَن يَقبل منا شيئاً لم يقبله من الرجال . فلما قال : { ولا يسرقن } . قالت هند : والله إِني لأُصيب من مَاللِ أبي سفيان هَنات فما أدري أتحل لي أم لا ؟ فقال : أبو سفيان : ما أصبتِ من شيء فيما مضى وفيما غَبَر فهو لككِ حلال . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعَرَفها فدعاها فأتته فعاذت به ، وقالت : فاعفُ عما سلف يا نبيء الله عفا الله عنك . فقال : { ولا يَزْنِينَ } . فقالت : أَوَ تزني الحُرّة . قال : { ولا يقتلن أولادهن } . فقالت هند : ربيْناهم صغاراً وقتلتهم كباراً فأنتم وهم أعلم . تريد أن المسلمين قتلوا ابنها حنظلة بن أبي سفيان يوم بدر . فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : { ولا يأتين ببهتان يفترينه } . فقالت : والله إن البهتان لأمرٌ قبيح وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق . فقال : { ولا يعصينك في معروف } .
فقالت : والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيَك في شيء .
فقوله : { ولا يعصينك في معروف } جامع لكل ما يخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ويأمر به مما يرجع إلى واجبات الإِسلام . وفي الحديث عن أم عطية قالت : كان من ذلك : أن لا ننوح . قالت : فقلت يا رسول الله إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلا بدّ أن أَسعدهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ آل فلان ، وهذه رخصة خاصة بأم عطية وبمن سَمَّتهم . وفي يوم معيّن .
وقوله : { فبايعهن } جواب { إذا } تفريع على { يبايعنك } ، أي فأقبل منهنّ ما بايعنك عليه لأن البيعة عنده من جانبين ولذلك صيغت لها صيغة المفاعلة .
{ واستغفر لهن الله } ، أي فيما فرط منهنّ في الجاهلية مما خص بالنهي في شروط البيعة وغير ذلك . ولذلك حذف المفعول الثاني لفعل { استغفر } .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا} وذلك يوم فتح مكة، لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من بيعة الرجال، وهو جالس على الصفا، وعمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أسفل منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أبايعكن على ألا تشركن بالله شيئا"، وكانت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان منتقبة مع النساء، فرفعت رأسها، فقالت: والله، إنك لتأخذ علينا أمرا ما رأيتك أخذته على الرجال، فقد أعطيناكه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، {ولا يسرقن}، فقالت: والله إني لأصيب من مال أبي سفيان هنات، فما أدري أتحلهن لي أم لا؟ فقال أبو سفيان: نعم، ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما غير فهو لك حلال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"وإنك لهند بنت عتبة"، فقالت: نعم، فاعف عما سلف عفا الله عنك، ثم قال: {ولا يزنين} قالت: وهل تزني الحرة؟ ثم قال: {ولا يقتلن أولادهن} فقالت: ربيناهم صغارا وقتلتموهم كبارا، فأنتم وهم أعلم، فضحك عمر بن الخطاب حتى استلقى، ويقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم ضحك من قولها...
ثم قال: {ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن} والبهتان أن تقذف المرأة ولدا من غير زوجها على زوجها، فتقول لزوجها هو منك وليس منه، قالت: والله إن البهتان لقبيح، ولبعض التجاوز أمثل، وما تأمر إلا بالرشد ومكارم الأخلاق، ثم قال: {ولا يعصينك في معروف} يعني في طاعة الله تعالى فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم... قالت هند: ما جلسنا في مجلسنا هذا، وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء، فأقر النسوة بما أخذ عليهن النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك قوله: {فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور} لما كان في الشرك {رحيم} فيما بقي...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {يا أيّها النّبِيّ إذَا جاءَك المُؤمِناتُ يُبايِعْنَكَ على أنْ لا يُشْرِكُنَ باللّهِ شَيْئا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أوْلادَهُنّ وَلا يأْتِينَ بِبُهْتان يَفْتَرِينَهُ بَينَ أيْدِيهِن وأرْجُلُهِنّ} يقول: ولا يأتين بكذب يكذبنه في مولود يوجد بين أيديهنّ وأرجلهنّ. وإنما معنى الكلام: ولا يلحقن بأزواجهنّ غير أولادهم...
وقوله: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} يقول: ولا يعصينك يا محمد في معروف من أمر الله عزّ وجلّ تأمرهنّ به... قال ابن زيد، في قول الله: {وَلا يَعْصِينكَ فِي مَعْرُوفٍ} فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيه وخيرته من خلقه ثم لم يستحلّ له أمور أمر إلا بشرط لم يقل: ولا يعصينك ويترك حتى قال: في معروف: فكيف ينبغي لأحد أن يُطاع في غير معروف وقد اشترط الله هذا على نبيه، قال: فالمعروف كلّ معروف أمرهنّ به في الأمور كلها وينبغي لهنّ أن لا يعصين...
وقوله: {فَبايِعْهُنّ} يقول جلّ ثناؤه: إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على هذه الشروط، فبايعهن، {وَاسْتَغْفِرْ لَهُنّ اللّهَ} يقول: سل لهنّ الله أن يصفح عن ذنوبهنّ، ويسترها عليهنّ بعفوه لهنّ عنها، {إنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يقول: إن الله ذو ستر على ذنوب من تاب إليه من ذنوبه أن يعذّبه عليها بعد توبته منها.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
{يا أيها النبي} خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله) يقول الله له {إذا جاءك المؤمنات يبايعنك} ووجه بيعة النساء مع أنهن لسن من أهل النصرة في المحاربة هو أخذ العهد عليهن بما يصلح شأنهن في الدين للأنفس والأزواج، فكان ذلك في صدر الإسلام لئلا ينفتق بهن فتق لما صيغ من الأحكام، فبايعهن النبي (صلى الله عليه وآله) حسما لذلك...
أحكام القرآن لإلكيا الهراسي 504 هـ :
{وَلاَ يَعْصِينَكَ في مَعْرُوفٍ}: هو عموم في جميع طاعات الله تعالى، وقد علم الله تعالى أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يأمر إلا بمعروف، إلا أنه شرط في النهي عن عصيانه إذا أمرهن بالمعروف، لئلا يترخص أحد في طاعة السلاطين إذا لم تكن طاعة الله تعالى، إذ شرط في طاعة خير العالمين أن يأمر بالمعروف، وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وكذلك لا يجب طاعة أئمة العلم فيما يتعلق بالأغراض المتأولة، ولا يسوغ لمسلم اتباعهم...
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :
عن محمد بن المنكدر، سمع أميمة بنت رقية تقول: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة، فقال لنا: فيما استطعتن وأطقتن، فقلت: رسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم بنا من أنفسنا، قلت: يا رسول الله بايعنا، قال سفيان: يعني صافحنا، فقال: إني لا أصافح النساء، إنما قولي لامرأة كقولي لمائة امرأة".
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَلاَ يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوفٍ} فيما تأمرهن به من المحسنات وتنهاهنّ عنه من المقبحات. وقيل: كل ما وافق طاعة الله فهو معروف.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
هذه بيعة النساء في ثاني يوم الفتح على جبل الصفا وهي كانت في المعنى بيعة الرجال قبل فرض القتال، وسماهم {المؤمنات} بحسب الظاهر من أمرهن، ورفض الاشتراك هو محض الإيمان، وقتل الأولاد وهو من خوف الفقر، وكانت العرب تفعل ذلك.«الإتيان بالبهتان»، قال أكثر المفسرين معناه أن تنسب إلى زوجها ولداً ليس هو له واللفظ أعم من هذا التخصيص، فإن الفرية بالقول على أحد من الناس بعظيمة لمن هذا، وإن الكذب فيما ائتمن فيه من الحمل والحيض لفرية بهتان، وبعض أقوى من بعض وذلك أن بعض الناس قال: {بين أيديهن} يراد به اللسان والفم في الكلام والقبلة ونحوه، «وبين الأرجل» يراد به الفروج وولد الإلحاق ونحوه وقوله تعالى: {فبايعهن} امض معهن صفقة الإيمان بأن يعطين ذلك من أنفسهن ويعطين عليه الجنة ثم أمره تعالى بالاستغفار لهن ورجاهن في غفرانه ورحمته بقوله: {إن الله غفور رحيم}.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{يا أيها النبي} مخاطباً له بالوصف المقتضي للعلم، ودل على تحقق كون ما يخبر به من مجيئهن بأداة التحقيق علماً من أعلام النبوة فقال: {إذا جاءك المؤمنات} جعل إقبالهن عليه صلى الله عليه وسلم لا سيما مع الهجرة مصححاً لإطلاق الوصف عليهن {يبايعنك} أي كل واحدة منهن تبايع {على أن لا يشركن} أي يوقعن الإشراك لأحد من الموجودات في وقت من الأوقات {بالله} أي الملك الذي لا كفوء له {شيئاً} أي من إشراك على الإطلاق... {ولا يسرقن} أي يأخذن مال الغير بغير استحقاق في خفية، وأتبع ذلك بذل حق الغير لغير أهله فقال: {ولا يزنين} أي يمكن أحداً من وطئهن بغير عقد صحيح...
. {ولا يقتلن أولادهن} أي بالوأد ولما ذكر إعدام نسمة بغير حق ولا وجه شرعي أتبعه ما يشمل إيجاد نسمة بغير حل، فقال مقبحاً له على سبيل الكناية عنه بالبهتان وما معه بالتصوير له بلوازمه وآثاره لأن استحضار القبيح وتصوير صورته أزجر عنه فقال: {ولا يأتين ببهتان} أي ولد من غير الزوج يبهت من الحاقة به حيرة في نفيه عنه {يفترينه} أي يتعمدن كذبه، وحقق المراد به وصوره بقوله: {بين أيديهن} أي بالحمل في البطون {وأرجلهن} أي بالوضع من الفروج ولأن عادة الولد مع أنه يسقط بين أيدي أمه ورجليها أنه يمشي أمامها، وهذا شامل لما كان من شبهة أو لقطة...
{فبايعهن} أي التزم لهن بما وعدت على ذلك من إعطاء الثواب لمن وفت منهن في نظير ما ألزمن أنفسهن من الطاعة. ولما كان الإنسان محل النقصان لا سيما النسوان رجاهن سبحانه بقوله: {واستغفر} أي اسأل {لهن الله} أي الملك الأعظم ذا الجلال والإكرام في الغفران إن وقع منهن تقصير وهو واقع لأنه لا يقدر أحد أن يقدر الله حق قدره ....
... {إن الله} أي الذي له صفات الجلال والإكرام فلو أن الناس لا يذنبون لجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم لتظهر صفة إكرامه {غفور} أي بالغ الستر للذنوب عيناً وأثراً {رحيم} أي بالغ الإكرام بعد الغفران فضلاً منه وإحساناً، وقد حقق سبحانه ذلك وصدق، ومن أصدق من الله قيلاً.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وهذه الأسس هي المقومات الكبرى للعقيدة، كما أنها مقومات الحياة الاجتماعية الجديدة.. إنها عدم الشرك بالله إطلاقا.. وعدم إتيان الحدود.. السرقة والزنا.. وعدم قتل الأولاد.. إشارة إلى ما كان يجري في الجاهلية من وأد البنات، كما أنه يشمل قتل الأجنة لسبب من الأسباب.. وهن أمينات على ما في بطونهن.. (ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن) ....
... ولعل هذا التحفظ -بعد المبايعة على عدم الزنا- كان للحالات الواقعة في الجاهلية من أن تبيح المرأة نفسها لعدة رجال، فإذا جاءت بولد، نظرت أيهم أقرب به شبها فألحقته به، وربما اختارت هي أحسنهم فألحقت به ابنها وهي تعلم من هو أبوه! وعموم اللفظ يشمل هذه الحالة وغيرها من كل بهتان مزور يدعى. ولعل ابن عباس ومقاتل خصصاه بذلك المعنى لمناسبة واقعة وقتذاك والشرط الأخير: (ولا يعصينك في معروف).. وهو يشمل الوعد بطاعة الرسول [صلى الله عليه وسلم] في كل ما يأمرهن به. وهو لا يأمر إلا بمعروف. ولكن هذا الشرط هو أحد قواعد الدستور في الإسلام، وهو يقرر أن لا طاعة على الرعية لإمام أو حاكم إلا في المعروف الذي يتفق مع دين الله وشريعته. وأنها ليست طاعة مطلقة لولي الأمر في كل أمر! وهي القاعدة التي تجعل قوة التشريع والأمر مستمدة من شريعة الله، لا من إرادة إمام ولا من إرادة أمة إذا خالفت شريعة الله. فالإمام والأمة كلاهما محكوم بشريعة الله، ومنها يستمدان السلطات! فإذا بايعن على هذه الأسس الشاملة قبلت بيعتهن. واستغفر لهن الرسول [صلى الله عليه وسلم] عما سلف (إن الله غفور رحيم).. يغفر ويرحم ويقيل العثرات.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{إذا جاءك المؤمنات}، أي قدمن عليك من مكة ....
... {بين أيديهن وأرجلهن} يتعلق ب {يأتين}، وهذا من الكلام الجامع لمعان كثيرة باختلاف محامله من حقيقة ومجاز وكناية، فالبهتان حقيقته: الإِخبار بالكذب وهو مصدر. ويطلق المصدر على اسم المفعول كالخلق بمعنى المخلوق. وحقيقة بين الأيدي والأرجل: أن يكون الكذب حاصلاً في مكان يتوسط الأيدي والأرجل فإن كان البهتان على حقيقته وهو الخبر الكاذب كان افتراؤه بين أيديهن وأرجلهن أنه كَذب مواجهةً في وجه المكذوب عليهوإن كان البهتان بمعنى المكذوب كان معنى افترائه بين أيديهن وأرجلهن كناية عن ادعاء الحمل بأن تشرب ما ينفخ بطنها فتوهم زوجها أنها حامل ثم تظهر الطلق وتأتي بولد تلتقطه وتنسبه إلى زوجها لئلا يطلقها، أو لئلا يرثه عصبته، فهي تعظم بطنها وهو بين يديها، ثم إذا وصل إبان إظهار الطلق وضعت الطفل بين رجليها وتحدثتْ وتحدث الناس بذلك فهو مبهوت عليه. فالافتراء هو ادعاؤها ذلك تأكيداً لمعنى البهتان. وإن كان البهتان مستعاراً للباطل الشبيه بالخبرِ البهتاننِ، كان {بين أيديهن وأرجلهن} محتملاً للكناية عن تمكين المرأة نفسها من غير زوجها يقبلها أو يحبسها، فذلك بين يديها أو يزني بها، وذلك بين أرجلها. وبعد تخصيص هذه المنهيات بالذكر لخطر شأنها عمم النهي بقوله: {ولا يعصينك في معروف} والمعروف هو ما لا تنكره النفوس. والمراد هنا المعروف في الدين، فالتقييد به إما لمجرد الكشف فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا بالمعروف، وإما لقصد التوسعة عليهن في أمر لا يتعلق بالدين كما فعلتْ بريرة إذْ لم تقبل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في إرجاعها زوجَها مُغيثاً إذ بانت منه بسبب عتقها وهو رقيق.فقوله: {ولا يعصينك في معروف} جامع لكل ما يخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ويأمر به مما يرجع إلى واجبات الإِسلام.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
كيف نفهم معنى بيعة الناس للرسول؟...
بيعة النساء: ان المرأة ليست تابعةً للرجل ليكون إيمانها على هامش إيمانه، وبيعتها تابعة لبيعته، لأنها إنسان مستقل في مسألة الإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، وفي دائرة المسؤولية، فلا يغني الأب عن ابنته، ولا الزوج عن زوجته، ولا الولد عن والدته شيئاً ولعل التعبير عن التوحيد، الذي هو عقيدة إيجابية، بالامتناع عن الإشراك الذي هو حالة سلبية، من جهة أن الواقع الذي يعيش فيه المجتمع آنذاك هو واقع الشرك العبادي الذي كان يلتقي بالعقيدة بالله، في ما كانوا يعتقدونه في الأصنام بأنها تقربهم إلى الله زلفى، حيث كانوا يقدمون لها فروض العبادة، الأمر الذي كان يفرض التأكيد على رفض الشرك فكراً وعملاً لتتخلص العقيدة بالله من شوائب الشرك، وليكون التوحيد هو الخط الذي يلتزمونه في الإيمان بالله، ورفض الشرك في العقيدة والعبادة. {وَلاَ يَسْرِقْنَ} لتكون المرأة أمينةً على مال زوجها وأهلها وكل الناس من حولها، فإن الأمانة من الأخلاق الأصيلة في التخطيط الأخلاقي للشخصية المسلمة. {وَلاَ يَزْنِينَ} لأن الزنا يؤدي إلى اختلال الأوضاع الأخلاقية الاجتماعية في المسألة الجنسية التي أراد الله لها أن لا تتحرك بعيداً عن البيت الزوجي، لئلا تتحول العلاقات، في هذا الإطار، إلى ما يشبه الفوضى التي تسيء إلى الكثير من قضايا المجتمع في نظامه العام. {وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ}، سواء كان ذلك بالإجهاض أو بالقتل المتعمد بالطريقة المألوفة. {وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} في كل ما تأمرهن به من الطاعة في فعل الخير والامتناع عن الشر، لتكون البيعة التزاماً بالمعروف كله في ما يأمر به النبي من موقع رسالته وقيادته، وبذلك يشمل رفض المعصية، الواجبات والمحرمات. {فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} في ما أخطأوا فيه، وفي ما انحرفوا عنه ثم تابوا منه إلى الله. ولعل التأكيد على هذه الأمور في مضمون البيعة من جهة أنها تعبِّر عن بعض القضايا الملحة في الأوضاع التي تعيشها المرأة أمام قضايا الانحراف، وبذلك تكون نموذجاً لكل مواقع الانحراف في المحرمات التي يمكن للمرأة أن ترتكبها، لأن البيعة تتحرك في الالتزام بالإسلام كله، لا ببعض أحكامه وقضاياه.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وممّا يجدر ملاحظته أنّ الآية الكريمة ذكرت ستّة شروط في بيعة النساء، يجب مراعاتها وقبولها جميعاً عند البيعة وهي:
ترك كلّ شرك وعبادة للأوثان، وهذا شرط أساسي في الإسلام والإيمان.
اجتناب السرقة، ويحتمل أن يكون المقصود بذلك هو سرقة أموال الزوج، لأنّ الوضع المالي السيئ آنذاك، وقسوة الرجل على المرأة، وانخفاض مستوى الوعي كان سبباً في سرقة النساء لأموال أزواجهنّ، واحتمال إعطاء هذه الأموال للمتعلّقين بهنّ.
ترك التلوّث بالزنا، إذ المعروف تاريخياً أنّ الانحراف عن جادّة العفّة كان كثيراً في عصر الجاهلية.
عدم قتل الأولاد، وكان القتل يقع بطريقتين، إذ يكون بإسقاط الجنين تارةً، وبصورة الوأد تارةً أخرى (وهي عملية دفن البنات والأولاد أحياء).
اجتناب البهتان والافتراء، وقد فسّر البعض ذلك بأنّ نساء الجاهلية كنّ يأخذن الأطفال المشكوكين من المعابر والطرق ويدّعين أنّ هذا الطفل من أزواجهنّ (وهذا الأمر محتمل في حالة الغياب الطويل للزوج).
الطاعة لأوامر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التي تبني الشخصية المسلمة وتهذّبها وتربّيها على الحقّ والخير والهدى، وهذا الحكم واسع أيضاً يشمل جميع أوامر الرّسول.
وممّا يجدر التذكير به هنا أنّ مسألة بيعة النساء للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت بشروط بنّاءة ومربّية كما نصّت عليها الآية أعلاه.
إنّ هذه النقطة على خلاف ما يقوله الجهلة والمغرضون في أنّ الإسلام حرم المرأة من الاحترام والقيمة والمكانة التي تستحقّها، فإنّ هذه الآية أكّدت على الاهتمام بالمرأة في أهمّ المسائل ومن ضمنها موضوع البيعة سواء كانت في الحديبية في العام السادس للهجرة أو في فتح مكّة، وبذلك دخلن العهد الإلهي مع الرجال وتقبّلن شروطاً إضافية تعبّر عن الهوية الإنسانية للمرأة الملتزمة تنقذها من شرور الجاهلية، سواء القديمة منها أو الجديدة، حيث تتعامل معها كمتاع بخس رخيص، ووسيلة لإشباع شهوة الرجال ليس إلاّ.
الطاعة بالمعروف: إنّ من جملة النقاط الرائعة المستفادة من الآية أعلاه هو تقييد طاعة الرّسول بالمعروف، مع أنّ الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) معصوم، ولا يأمر بالمنكر أبداً، وهذا التعبير الرائع يدلّل على أمر في غاية السمو، وهو أنّ الأوامر التي تصدر من القادة الإسلاميين مع كونهم يمثّلون القدوة والنموذج لن تكون قابلة للتنفيذ ومحترمة إلاّ إذا كانت منسجمة مع التعاليم القرآنية وأصول الشريعة وعندئذ تكون مصداقاً (لا يعصينك في معروف). وكم هي الفاصلة بعيدة بين الأشخاص الذين يعتبرون أوامر القادة واجبة الطاعة، مهما كانت ومن أي شخص صدرت، ممّا لا ينسجم مع العقل ولا مع حكم الشرع والقرآن، وبين التأكيد على إطاعة المعصوم وعدم المعصية في معروف؟!