تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۖ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيۡكُم بِوَكِيلٖ} (108)

يقول تعالى آمرا لرسوله ، صلوات الله وسلامه عليه ، أن يخبر الناس أن الذي جاءهم به من عند الله هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك ، فمن اهتدى به واتبعه فإنما يعود نفع ذلك الاتباع على نفسه ، [ ومن ضل عنه{[14451]} فإنما يرجع وبال ذلك عليه{[14452]} ]{[14453]} { وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } أي : وما أنا موكل بكم حتى تكونوا مؤمنين به ، وإنما أنا نذير لكم ، والهداية على الله تعالى .


[14451]:- في ت : "عن ذلك".
[14452]:- في ت : "على نفسه".
[14453]:- زيادة من ت ، أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۖ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيۡكُم بِوَكِيلٖ} (108)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ يَأَيّهَا النّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ الْحَقّ مِن رّبّكُمْ فَمَنُ اهْتَدَىَ فَإِنّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلّ فَإِنّمَا يَضِلّ عَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قُلْ يا محمد للناس يا أيّها النّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الحَقّ مِنْ رَبّكُمْ يعني : كتاب الله ، فيه بيان كلّ ما بالناس إليه حاجة من أمر دينهم ، فَمَنِ اهْتَدَى يقول : فمن استقام فسلك سبيل الحقّ ، وصدّق بما جاء من عند الله من البيان . فإنّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ يقول : فإنما يستقيم على الهدى ، ويسلك قصد السبيل لنفسه ، فإياها يبغي الخير بفعله ذلك لا غيرها . وَمَنْ ضَلّ يقول : ومن اعوجّ عن الحقّ الذي أتاه من عند الله ، وخالف دينه ، وما بعث به محمدا والكتاب الذي أنزله عليه . فإنّما يَضِلّ عَلَيْها يقول : فإن ضلاله ذلك إنما يجني به على نفسه لا على غيرها لأنه لا يؤخذ بذلك غيرها ولا يورد بضلاله ذلك المهالك سوىَ نفسه . وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى . وَما أنا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ يقول : وما أنا عليكم بمسلط على تقويمكم ، إنما أمركم إلى الله ، وهو الذي يقوّم من شاء منكم ، وإنما أنا رسول مبلغ أبلغكم ما أرسلت به إليكم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۖ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيۡكُم بِوَكِيلٖ} (108)

هذه مخاطبة لجميع الكفار مستمرة مدى الدهر ، { الحق } هو القرآن والشرع الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم{[6240]} ، { فمن اهتدى } ، أي اتبع الحق وتدين به فإنما يسعى لنفسه لأنه يوجب لها رحمة الله ، ويدفع عذابه ، { ومن ضل } أي حاد عن طريق الحق ولم ينظر بعين الحقيقة وكفر بالله عز وجل فيضل ذلك ، وقوله { وما أنا عليكم بوكيل } ، أي لست بآخذكم ولا بد بالإيمان وإنما أنا مبلغ ، وهذه الآية منسوخة بالقتال{[6241]} .


[6240]:- وقيل: الحق هو الرسول صلى الله عليه وسلم.
[6241]:- وذهب بعض العلماء إلى أن الآية محكمة غير منسوخة، وكذلك الآية التي بعدها، وحملوا قوله تعالى: {وما أنا عليكم بوكيل} على أنه ليس بحفيظ على أعمالهم ليجازيهم عليها، بل ذلك لله، وكذلك حملوا قوله: {واصبر} على الصبر على طاعة الله وحمل أثقال النبوة وأداء الرسالة، وعلى هذا لا تعارض بين الآيتين وبين آية السيف. قال أبو حيان في البحر: "وإلى هذا مال المحققون".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۖ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيۡكُم بِوَكِيلٖ} (108)

استئناف ابتدائي هو كذيل لما مضى في السورة كلها وحوصلة لما جرى من الاستدلال والمجادلة والتخويف والترغيب ، ولذلك جاء ما في هذه الجملة كلاماً جامعاً وموادعة قاطعة .

وافتتاحها ب { قل } للتنبيه على أنه تبليغ عن الله تعالى فهو جدير بالتلقي .

وافتتاح المقول بالنداء لاستيعاء سماعهم لأهمية ما سيقال لهم ، والخطاب لجميع الناس من مؤمن وكافر ، والمقصود منه ابتداءً المشركون ، ولذلك أطيل الكلام في شأنهم ، وقد ذكر معهم من اهتدى تشريفاً لهم .

وأكد الخبر بحرف { قد } تسجيلاً عليهم بأن ما فيه الحق قد أبلغ إليهم وتحقيقاً لكونه حقاً .

والحق : هو الدين الذي جاء به القرآن ، ووصفه ب { من ربكم } للتنويه بأنه حق مبين لا يخلطه باطل ولا ريب ، فهو معصوم من ذلك .

واختيار وصف الرب المضاف إلى ضمير { الناس } على اسم الجلالة للتنبيه على أنه إرشاد من الذي يحب صلاح عباده ويدعوهم إلى ما فيه نفعهم شأن من يربّ ، أي يسوس ويدبر .

وتفريع جملة : { فمن اهتدى } على جملة : { قد جاءكم } للإشارة إلى أن مجيء الحق الواضح يترتب عليه أن إتباعه غنم لمتبعه وليس مزية له على الله ، ليتوصل من ذلك إلى أن المعرض عنه قد ظلم نفسه ، ورتب عليها تبعة الإعراض .

واللام في قوله : { لنفسه } دالة على أن الاهتداء نعمة وغنى وأن الإعراض ضر على صاحبه .

ووجه الإتيان بطريقتي الحصر في { فإنما يهتدي لنفسه } وفي { فإنما يضل عليها } للرد على المشركين إذ كانوا يتمطَّون في الاقتراح فيقولون : { لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً } [ الإسراء : 90 ] ونحو ذلك مما يفيد أنهم يمنون عليه لو أسلموا ، وكان بعضهم يظهر أنه يغيظ النبي صلى الله عليه وسلم بالبقاء على الكفر فكان القصر مفيداً أن اهتداءه مقصور على تعلق اهتدائه بمعنى اللام في قوله : { لنفسه } أي بفائدة نفسه لا يتجاوزه إلى التعلق بفائدتي . وأن ضلاله مقصور على التعلق بمعنى على نفسه ، أي لمضرتها لا يتجاوزه إلى التعلق بمضرتي .

وجملة { وما أنا عليكم بوكيل } معطوفة على جملة { من اهتدى } فهي داخلة في حيز التفريع ، وإتمام للمفرع ، لأنه إذا كان اهتداء المهتدي لنفسه وضلال الضال على نفسه تحقق أن النبي صلى الله عليه وسلم غير مأمور من الله بأكثر من التبليغ وأنه لا نفع لنفسه في اهتدائهم ولا يضره ضلالهم ، فلا يحسبوا حرصه لنفع نفسه أو دفع ضر عنها حتى يتمطّوا ويشترطوا ، وأنه ناصح لهم ومبلغ ما في اتباعه خيرهم والإعراض عنه ضُرُّهم .

والإتيان بالجملة الاسمية المنفية للدلالة على دوام انتفاء ذلك الحكم وثباته في سائر الأحوال .

ومعنى الوكيل : الموكول إليه تحصيل الأمر . و { عليكم } بمعنى على اهتدائكم فدخل حرف الجر على الذات والمراد بعض أحوالها بقرينة المقام .