البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۖ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيۡكُم بِوَكِيلٖ} (108)

الحق : القرآن ، أو الرسول ، أو دين الإسلام ، ثلاثة أقوال والمعنى : فإنما ثواب هدايته حاصل له ، ووبال ضلاله عليه ، والهداية والضلال واقعان بإرادة الله تعالى من العبد ، هذا مذهب أهل السنة .

وأن من حكم له في الأزل بالاهتداء فسيقع ذلك ، وأنَّ من حكم له بالضلال فكذلك ولا حيلة في ذلك .

وقال القاضي : إنه تعالى بيّن أنه أكمل الشريعة وأزاح العلة وقطع المعذرة ، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ، ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل ، فلا يجب عليّ من السعي في إيصالكم إلى الثواب العظيم ، وفي تخليصكم من العذاب الأليم ، أزيد مما فعلت .

وقال الزمخشري : لم يبق لكم عذر ولا على الله تعالى حجة ، فمن اختار الهدى واتباع الحق فما نفع باختياره إلا نفسه ، ومن آثر الضلال فما ضر إلا نفسه .

واللام وعلى على معنى النفع والضر ، وكل إليهم الأمر بعد إزاحة العلل وإبانة الحق .

وفيه حث على إتيان الهدى واطراح الضلال مع ذلك ، وما أنا عليكم بوكيل بحفيظ موكول إليّ أمركم وحملكم على ما أريد ، إنما أنا بشير ونذير انتهى .

وكلامه تذييل كلام القاضي ، وهو جار على مذهب المعتزلة .

وأمره تعالى نبيه باتباع ما يوحى إليه أمر بالديمومة وبالصبر على ما ينالك في الله من أذى الكفار وإعراضهم ، وغيا الأمر بالصبر بقوله : حتى يحكم الله وهو وعد منه تعالى بإعلاء كلمته ونصره على أعدائه كما وقع .

وذهب ابن عباس وجماعة إلى أنّ قوله : وما أنا عليكم بوكيل واصبر ، منسوخ بآية السيف .

وذهب جماعة إلى أنه محكم ، وحملوا وما أنا عليكم بوكيل على أنه ليس بحفيظ على أعمالهم ليجازيهم عليها ، بل ذلك لله .