تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَمۡ تَكُن لَّهُۥ فِئَةٞ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا} (43)

{ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ } أي : عشيرة أو ولد ، كما افتخر بهم واستعز { يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ } اختلف القراء هاهنا ، فمنهم من يقف على قوله : { وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا هُنَالِكَ } أي : في ذلك الموطن الذي حل به عذاب الله ، فلا منقذ منه . ويبتدئ [ بقوله ]{[18193]} { الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ } ومنهم من يقف على : { وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا } ويبتدئ بقوله : { هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ } .

ثم اختلفوا في قراءة { الْوَلايَةُ } فمنهم من فتح الواو ، فيكون المعنى : هنالك الموالاة{[18194]} لله ، أي : هنالك{[18195]} كل أحد{[18196]} من مؤمن أو كافر{[18197]} يرجع إلى الله وإلى موالاته والخضوع له إذا وقع العذاب ، كقوله : { فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } [ غافر : 84 ] وكقوله إخبارًا عن فرعون : { حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } [ يونس : 91 ، 90 ]

ومنهم من كسر الواو من { الْوَلايَةُ } أي : هنالك الحكم لله الحق .

ثم منهم من رفع { الْحَقِّ } على أنه نعت للولاية ، كقوله تعالى : { الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا } [ الفرقان : 26 ]

ومنهم من خفض القاف ، على أنه نعت لله عز وجل ، كقوله : { ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ } [ الأنعام : 62 ] ؛ ولهذا قال تعالى : { هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا } أي : جزاء { وَخَيْرٌ عُقْبًا } أي : الأعمال التي تكون لله ، عز وجل ، ثوابها خير ، وعاقبتها حميدة رشيدة ، كلها خير .


[18193]:زيادة من أ.
[18194]:في ت: "الولاية".
[18195]:في ت: "هناك".
[18196]:في ف: "واحد".
[18197]:في ف: "وكافر".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَمۡ تَكُن لَّهُۥ فِئَةٞ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا} (43)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَمْ تَكُن لّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً * هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ لِلّهِ الْحَقّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً } .

يقول تعالى ذكره : ولم يكن لصاحب هاتين الجنتين فِئَة ، وهم الجماعة كما قال العَجّاج :

*** كمَا يَحُوزّ الفِئَةُ الكَمِيّ ***

وبنحو ما قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل ، وإن خالف بعضهم في العبارة عنه عبارتنا ، فإن معناهم نظير معنانا فيه . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى «ح » وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله عزّ وجلّ : وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّهِ قال : عشيرته .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ولَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّهِ : أي جند ينصرونه .

وقوله : يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّهِ يقول : يمنعونه من عقاب الله وعذاب الله إذا عاقبه وعذّبه . وقوله وَما كانَ مُنْتَصِرا يقول : ولم يكن ممتنعا من عذاب الله إذا عذّبه ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَما كانَ مُنْتَصِرا : أي ممتنعا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَمۡ تَكُن لَّهُۥ فِئَةٞ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا} (43)

وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وأبو عمرو والحسن وأبو جعفر وشيبة : «ولم تكن » بالتاء على لفظة الفئة ، وقرأ حمزة والكسائي ومجاهد وابن وثاب «ولم يكن » بالياء على المعنى ، «الفئة » الجماعة التي يلجأ إلى نصرها ، قال مجاهد هي العشيرة .

قال القاضي أبو محمد : وهي عندي من فاء يفيء وزنها فئة ، حذفت العين تخفيفاً{[7811]} ، وقد قال أبو علي وغيره : هي من فاوت وليست من فاء ، وهذا الذي قالوه أدخل في التصريف ، والأول أحكم في المعنى ، وقرأ ابن أبي عبلة : «فئة تنصره » .


[7811]:في اللسان: "الفئة: الطائفة، والهاء عوض عن الياء التي نقصت من وسطه، أصله فيء، مثال فيع ؛ لأنه من فاء، ويجمع: فئون وفئات. وقال ابن بري: هذا الذي قاله الجوهري سهو، وأصله فثو مثل فعو، فالهمزة عين لا لام، والمحذوف لامها وهو الواو".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَمۡ تَكُن لَّهُۥ فِئَةٞ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا} (43)

قوله : { ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله } موعظة وتنبيه على جزاء قوله : { وأعز نفراً } [ الكهف : 34 ] .

والفئة : الجماعة . وجملة { ينصرونه } صفة ، أي لم تكن له فئة هذه صفتها ، فإن فئته لم تغن عنه من عذاب الله .

وقوله : { وما كان منتصراً } أي ولا يكون له انتصار وتخلص من العذاب .

وقرأه الجمهور { ولم تكن } بمثناة فوقية اعتداداً بتأنيث { فئة } في اللفظ . وقرأه حمزة والكسائي وخلف « يكن » بالياء التحتية . والوجهان جائزان في الفعل إذا رفَع ما ليس بتحقيقي التأنيث .

وأحاط به هذا العقاب لا لمجرد الكفر ، لأن الله قد يمتع كافرين كثيرين طول حياتهم ويملي لهم ويسْتدرجهم . وإنما أحاط به هذا العقاب جزاء على طغيانه وجعله ثروته وماله وسيلة إلى احتقار المؤمن الفقير ، فإنه لما اعتز بتلك النعم وتوسل بها إلى التكذيب بوعد الله استحق عقاب الله بسلب تلك النعم عنه كما سلبت النعمة عن قارون حين قال : { إنما أوتيته على علم عندي } [ القصص : 78 ] . وبهذا كان هذا المثل موضع العبرة للمشركين الذين جعلوا النعمة وسيلة للترفع عن مجالس الدعوة لأنها تجمع قوماً يرونهم أحط منهم وطلبوا من النبي طردهم عن مجلسه كما تقدم .