تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ ٱلۡقُرَىٰٓ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلۡنَا لِمَهۡلِكِهِم مَّوۡعِدٗا} (59)

وقوله : { وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا } أي : الأمم السالفة والقرون الخالية أهلكناهم بسبب كفرهم وعنادهم { وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا } أي : جعلناه إلى مدة معلومة ووقت [ معلوم ]{[18303]} معين ، لا يزيد ولا ينقص ، أي : وكذلك أنتم أيها المشركون ، احذروا أن يصيبكم ما أصابهم ، فقد كذبتم أشرف رسول{[18304]} وأعظم نبي ، ولستم بأعز علينا منهم ، فخافوا عذابي ونذر .


[18303]:زيادة من ف، أ.
[18304]:في ت: "رسول الله صلى الله عليه وسلم".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ ٱلۡقُرَىٰٓ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلۡنَا لِمَهۡلِكِهِم مَّوۡعِدٗا} (59)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَتِلْكَ الْقُرَىَ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مّوْعِداً } .

يقول تعالى ذكره : وتلك القُرى من عاد وثمود وأصحاب الأيكة أهلكنا أهلها لما ظلموا ، فكفروا بالله وآياته ، وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدا يعني ميقاتا وأجلاً ، حين بلغوه جاءهم عذاب فأهلكناهم به ، يقول : فكذلك جعلنا لهؤلاء المشركين من قومك يا محمد الذين لا يؤمنون بك أبدا موعدا ، إذا جاءهم ذلك الموعد أهلكناهم سنتنا في الذين خلوا من قبلهم من ضربائهم كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى «ح » وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدا قال : أجلاً .

حدثنا القاسم ، قال : ثني الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله لِمَهْلِكِهِمْ فقرأ ذلك عامّة قرّاء الحجاز والعراق : «لِمُهْلِكِهمْ » بضمّ الميم وفتح اللام على توجيه ذلك إلى أنه مصدر من أهلكوا إهلاكا . وقرأه عاصم : «لِمَهْلَكِهِمْ » بفتح الميم واللام على توجيهه إلى المصدر من هلكوا هلاكا ومهلكا .

وأولى القراءتين بالصواب عندي في ذلك قراءة من قرأه : «لمُهْلَكِهِمْ » بضمّ الميم وفتح اللام لإجماع الحجة من القرّاء عليه ، واستدلالاً بقوله : وَتِلْكَ القُرَى أهْلَكْناهُمْ فأن يكون المصدر من أهلكنا ، إذ كان قد تقدّم قبله أولى . وقيل : أهلكناهم ، وقد قال قبل : وَتلكَ القُرَى ، لأن الهلاك إنما حلّ بأهل القرى ، فعاد إلى المعنى ، وأجرى الكلام عليه دون اللفظ .

وقال بعض نحويي البصرة : قال : وَتَلْكَ القُرَى أهْلَكْناهُمْ لَمّا ظَلَمُوا يعني أهلها ، كما قال : وَاسْئَلِ القَرْيَةِ ولم يجيء بلفظ القرى ، ولكن أجرى اللفظ على القوم ، وأجرى اللفظ في القرية عليها إلى قوله التي كُنّا فِيها ، وقال : أهْلكْناهُمْ ولم يقل : أهلكناها ، حمله على القوم ، كما قال : جاءت تميم ، وجعل الفعل لبني تميم ، ولم يجعله لتميم ، ولو فعل ذلك لقال : جاء تميم ، وهذا لا يحُسن في نحو هذا ، لأنه قد أراد غير تميم في نحو هذا الموضع ، فجعله اسما ، ولم يحتمل إذا اعتلّ أن يحذف ما قبله كله معنى التاء من جاءت مع بني تميم ، وترك الفعل على ما كان ليعلم أنه قد حذف شيئا قبل تميم . وقال بعضهم : إنما جاز أن يقال : تلك القرى أهلكناهم ، لأن القرية قامت مقام الأهل ، فجاز أن ترد على الأهل مرة وعليها مرّة ، ولا يجوز ذلك في تميم ، لأن القبيلة تعرف به وليس تميم هو القبيلة ، وإنما عرفت القبيلة به ، ولو كانت القبيلة قد سميت بالرجل لجرت عليه ، كما تقول : وقعت في هود ، تريد في سورة هود وليس هود اسما للسورة وإنما عرفت السورة به ، فلو سميت السورة بهود لم يجر ، فقتل : وقعت في هود يا هذا ، فلم يجر ، وكذلك لو سمي بني تميم تميما لقيل : هذه تميم قد أقبلت ، فتأويل الكلام : وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا ، وجعلنا لإهلاكهم موعدا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ ٱلۡقُرَىٰٓ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلۡنَا لِمَهۡلِكِهِم مَّوۡعِدٗا} (59)

ثم عقب تعالى توعدهم بذكر الأمثلة من القرى التي نزل بها ما توعد هؤلاء بمثله ، وفي قوله { وتلك القرى } حذف مضاف تقديره { وتلك } أهل { القرى } يدل على ذلك قوله { أهلكناهم } فرد الضمير على أهل القرى ، و { القرى } : المدن ، وهذه الإشارة إلى عاد وثمود ومدين وغيرهم . { وتلك } ابتداء ، و { القرى } صفته ، و { أهلكناهم } خبر ، ويصح أن يكون { تلك } منصوباً بفعل يدل عليه { أهلكناهم } . وقرأ الجمهور «لَمُهلكهم » بضم الميم وفتح اللام ، من أهلك ، ومفعل في مثل هذا يكون لزمن الشيء ، ولمكانه ، ويكون مصدراً فالمصدر على هذا مضاف إلى المفعول ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر «لَمَهلكهم » بفتح الميم واللام وقرأ في رواية حفص «لِمَهلكهم » بفتح الميم وكسر اللام ، وهو مصدر من هلك ، وهو في مشهور اللغة غير متعد ، فالمصدر على هذا مضاف إلى الفاعل ، لأنه بمعنى : وجعلنا لأن هلكوا موعداً ، وقالت فرقة إن هلك يتعدى ، تقول أهلكت الرجل وهلكته بمعنى واحد ، وأنشد أبو علي في ذلك : [ الرجز ]

ومَهْمَهٍ هالك من تعرجا{[7840]} . . . فعلى هذا يكون المصدر في كل وجه مضافاً إلى المفعول .


[7840]:هذا البيت للعجاج، وقد ذكره في اللسان (هلك) شاهدا على أن (هلك) يتعدى بنفسه، وأنه مثل أهلك وهلك، وذكر بعده بيتا آخر، وهو: هائلة أهواله من أدلجا وقال: "وهي لغة تميم". وتعرج: مال وانحرف عن الطريق المألوف، وأدلج: سار في الليل، وقيل: في أوله، والمهمة: المفازة البعيدة، والمعنى أن هذه المفازة البعيدة تهلك من يتنكب الطريق المألوف، وتهول بأهوالها من يسير فيها ليلا.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَتِلۡكَ ٱلۡقُرَىٰٓ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلۡنَا لِمَهۡلِكِهِم مَّوۡعِدٗا} (59)

بعد أن أزيل غرُورهم بتأخر العذاب ، وأبطل ظنهم الإفلات منه ببيان أن ذلك إمهال من أثر رحمة الله بخلقه ، ضرب لهم المثل في ذلك بحال أهل القرى السالفين الذين أُخر عنهم العذاب مدة ثم لم ينجوا منه بأخَرة ، فالجملة معطوفة على جملة { بل لهم موعد } [ الكهف : 58 ] .

والإشارة ب تلك إلى مقدر في الذهن ، وكاف الخطاب المتصلة باسم الإشارة لا يراد به مخاطب ولكنها من تمام اسم الإشارة ، وتجري على ما يناسب حال المخاطب بالإشارة من واحد أو أكثر ، والعرب يعرفون ديار عاد وثمود ومدين ويسمعون بقوم لوط وقوم فرعون فكانت كالحاضرة حين الإشارة .

والظلم : الشرك وتكذيب الرسل . والمُهلك بضم الميم وفتح اللام مصدر ميمي من أهلك ، أي جعلنا لإهلاكنا إياهم وقتاً معيناً في علمنا إذا جاء حلَّ بهم الهلاك . هذه قراءة الجمهور . وقرأه حفص عن عاصم بفتح الميم وكسر اللام على أنه اسم زمان على وزن مَفعل . وقرأه أبو بكر عن عاصم بفتح الميم وفتح اللام على أنه مصدر ميمي لِهَلَك .