قوله : { وَتِلْكَ القرى أَهْلَكْنَاهُمْ } أي قرى الأوَّلين : قوم نوح وعاد وغيرهم ، وتلك مبتدأ ، والقرى خبره .
و " أهْلكْنَاهُمْ " حينئذ : إمَّا خبر ثانٍ ، أو حال ، ويجوز أن تكون " تِلْكَ " مبتدأ ، و " القرى " صفتها لأنَّ أسماء الإشارة توصف بأسماء الأجنس أو بيان لها ، أو بدلٌ منها ، و " أهْلَكنَاهَا " الخبر ، ويجوز أن يكون " تِلْكَ " منصوب المحلِّ بفعلٍ مقدَّر على الاشتغال .
والإضمار في " أهْلَكنَاهُمْ " عائد على " أهْل " المضاف إلى القرى ، إذ التقدير : وأهل تلك القرى ، فراعى المحذوف ، فأعاد عليه الضمير ، وتقدَّم ذلك في أول الأعراف [ الآية : 4 ] .
و " لمَّا ظلموا " يجوز أن يكون حرفاً ، وأن يكون ظرفاً ، وقد تقدَّم .
قوله : " وجعلنا لمهلكهم موعداً " قرأ{[21182]} عاصم " مَهْلَك " بفتح الميم ، والباقون بضمها ، وحفص بكسر اللام ، والباقون بفتحها ، فتحصَّل من ذلك ثلاث قراءاتٍ ، لعاصم قراءتان ؛ فتح الميم مع فتح اللام ، وهي رواية أبي بكرٍ عنه ، والثانية فتح الميم ، مع كسر اللام ، وهي رواية حفص عنه ، والثالثة : ضم الميم ، وفتح اللام ، وهي قراءة الباقين .
وأمَّا قراءة أبي بكرٍ ، ف " مَهْلَك " فيها مصدرٌ مضاف لفاعله ، وجوَّز أبو عليٍّ أن يكون مضافاً لمفعوله ، وقال : إنَّ " هَلَكَ " يتعدَّى دون همز ، وأنشد : [ الرجز ]
ومَهْمَهٍ هَالكِ مَنْ تعرَّجا{[21183]} *** ف " مَنْ " معمول ل " هالكٍ " وقد منع النَّاسُ ذلك ، وقالوا : لا دليلَ في البيت ؛ لجواز أن يكون ذلك من باب الصفةِ المشبهة ، والأصل : هالك من تعرَّجا .
ف " مَنْ تعرَّج " فاعل الهالك ، ثم أضمر في " هَالِك " ضمير " مهمه " ونصب " من تعرَّج " نصب " الوجه " في قولك : " مررتُ برجلٍ حسنٍ الوجهَ " ثم أضاف الصفة ، وهي " هَالِك " إلى معمولها ، فالإضافة من نصبٍ ، والنصب من رفعٍ ، فهو كقولك : " زيدٌ منطلقُ اللسان ، ومنبسطُ الكفِّ " ولولا تقدير النصبِ ، لامتنعتِ الإضافة ؛ إذ اسم الفاعل لا يضاف إلى مرفوعه ، وقد يقال : لا حاجة إلى تقدير النصب ؛ إذ هذا جارٍ مجرى الصفة المشبهة ، والصفة المشبهة تضاف إلى مرفوعها ، إلا أنَّ هذا مبنيٌّ على خلافٍ آخر ، وهو : هل يقع الموصول في باب الصفة أم لا ؟ والصحيح جوازه ، قال الشاعر : [ البسيط ]
فَعُجْتُهَا قِبلَ الأخْيار مَنْزلةً *** والطَّيبِي كُلِّ ما التَاثَتْ به الأزُرُ{[21184]}
أسِيلاتُ أبْدانٍ دِقَاقٌ خُصورُهَا *** وثِيرَاتُ ما التفَّت عليها المَلاحِفُ{[21185]}
وقال أبو حيَّان في قراءة أبي بكرٍ هذه : " إنَّه زمانٌ " ولم يذكر غيره ، وجوَّز غيره فيه الزمان والمصدر ، وهو عجيبٌ ؛ فإنَّ الفعل متى كسرت عينُ مضارعه ، فتحت في المفعل مراداً به المصدر ، وكسرت فيه مراداً به الزمان والمكان ، وكأنَّه اشتبهت عليه بقراءة حفص ؛ فإنَّه بكسر اللام ، كما تقدَّم ، فالمفعل منه للزَّمان والمكان .
وجوَّز أبو البقاء{[21186]} في قراءته أن يكون المفعل فيها مصدراً ، قال : " وشذَّ فيه الكسر كالمرجع " وإذا قلنا : إنَّه مصدر ، فهل هو مضافٌ لفاعله ، أو مفعوله ؟ يجيء ما تقدَّم في قراءة رفيقه ، وتخريجُ أبي عليٍّ ، واستشهاده بالبيت ، والردُّ عليه ، كل ذلك عائد هنا .
وأمَّا قراءة الباقين ، فواضحةٌ ، و " مُهْلكٌ " فيها يجوز أن يكون مصدراً مضافاً لمفعوله أي لإهلاكهم ، وأن يكون زماناً ، ويبعد أن يراد به المفعول ، أي : وجعلنا للشخصِ ، أو للفريقِ المهلكِ منهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.