تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ} (6)

وقوله : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } أي : والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام ، فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا أو لواط ، ولا يقربون سوى أزواجهم التي أحلها الله لهم ، وما ملكت أيمانهم من السراري ، ومن تعاطى ما أحله الله له فلا لوم عليه ولا حرج ؛ ولهذا{[20463]} قال : { فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ } أي : غير الأزواج والإماء ، { فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } أي : المعتدون .

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بَشَّار ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، أن امرأة

اتخذت مملوكها ، وقالت : تأَوّلْت آية من كتاب الله : { أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } [ قال ]{[20464]} : فأُتي بها عمر ابن الخطاب ، فقال له ناس من أصحاب النبي{[20465]} صلى الله عليه وسلم : تأولت آية من كتاب الله على غير وجهها . قال : فَغرب{[20466]} العبد وجزّ رأسه : وقال : أنت بعده حرام على كل مسلم . هذا أثر غريب منقطع ، ذكره{[20467]} ابن جرير في أول تفسير سورة المائدة{[20468]} ، وهو هاهنا أليق ، وإنما حرمها على الرجال معاملة لها بنقيض قصدها ، والله أعلم .

وقد استدل الإمام الشافعي ، رحمه الله ، ومن وافقه على تحريم الاستمناء باليد بهذه الآية الكريمة { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } قال : فهذا الصنيع خارج عن هذين القسمين ، وقد قال : { فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } وقد استأنسوا بحديث رواه الإمام الحسن بن عَرَفَةَ في جزئه المشهور حيث قال :

حدثني علي بن ثابت الجَزَريّ ، عن مسلمة بن جعفر ، عن حسان بن حميد{[20469]} ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ، ولا يزكيهم ، ولا يجمعهم مع العاملين ، ويدخلهم النار أول الداخلين ، إلا أن يتوبوا ، فمن تاب تاب الله عليه : ناكح يده{[20470]} ، والفاعل ، والمفعول به ، ومدمن{[20471]} الخمر ، والضارب والديه حتى يستغيثا ، والمؤذي جيرانه حتى يلعنوه ، والناكح حليلة جاره " {[20472]} .

هذا حديث غريب ، وإسناده فيه من لا يعرف ؛ لجهالته ، والله أعلم .


[20463]:- في ف : "فلهذا".
[20464]:- زيادة من أ.
[20465]:- في أ : "رسول الله".
[20466]:- في ف ، أ : "فضرب" وهو الصحيح.
[20467]:- في أ : "ذكرها".
[20468]:- تفسير الطبري (9/586) ط - المعارف.
[20469]:- في ف ، أ : "أحمد".
[20470]:- في ف ، أ : "الناكح يده".
[20471]:- في ف ، أ : "المدمن".
[20472]:- جزء الحسن بن عرفة برقم (41).

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ} (6)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالّذِينَ هُمْ لِلزّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاّ عَلَىَ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَىَ وَرَآءَ ذَلِكَ فَأُوْلََئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } .

يقول تعالى ذكره : والذين هم لزكاة أموالهم التي فرضها الله عليهم فيها مؤدّون ، وفعلهم الذي وصفوا به هو أداؤهموها . وقوله : وَالّدِينَ هُمْ لِفُرُوجهِمْ حافِظُونَ إلاّ عَلى أزْوَاجِهِمْ يقول : والذين هم لفروج أنفسهم . وعنى بالفروج في هذا الموضع : فروج الرجال ، وذلك أقبالهم . حَافِظُونَ يحفظونها من أعمالها في شيء من الفروج . إلاّ عَلى أزْوَاجِهمْ يقول : إلاّ من أزواجهم اللاتي أحلهنّ الله للرجال بالنكاح . أوْ ما مَلَكَتْ أيْمَانُهُمْ يعني بذلك : إماءهم . و «ما » التي في قوله : أوْ ما مَلَكَتْ أيْمَانُهُمْ في محلّ خفض عطفا على الأزواج . فإنّهُمْ غيرُ مَلُومِينَ يقول : فإن من لم يحفظ فرجه عن زوجه وملك يمينه ، وحفظه عن غيره من الخلق ، فإنه غير مُوَبّخ على ذلك ولا مذموم ولا هو بفعله ذلك راكب ذنبا يلام عليه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَالّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إلاّ عَلى أَزْوَاجِهِم أَوْ ما مَلَكَتْ أيْمَانُهُمْ فإنّهُمْ غيرُ مَلُومِينَ يقول : رضي الله لهم إتيانهم أزواجهم وما ملكت أيمانهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ} (6)

وقوله { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } الآية ، يقتضي تحريم الزنا والاستمناء ومواقعة البهائم وكل ذلك في قوله ، { وراء ذلك } ويريد وراء هذا الحد الذي حد ، ومعنى { ما ملكت أيمانهم } من النساء ولما كان { حافظون } بمعنى محجزون حسن استعمال { على } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ} (6)

الاستثناء في قوله : { إلاّ على أزواجهم } الخ استثناء من عموم متعلَّقات الحفظ التي دلّ عليها حرف { على } ، أي حافظونها على كل ما يُحفظ عليه إلاّ المتعلَّق الذي هو أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ، فضمن { حافظون } معنى عدم البذل ، يقال : احفظ علي عنان فرسي كما يقال : أمسكْ عليّ كما في آية { أمسِكْ عَلَيْكَ زَوجك } [ الأحزاب : 37 ] . والمراد حِل الصنفين من بين بقية أصناف النساء . وهذا مجمل تبينه تفاصيل الأحكام في عدد الزوجات وما يحل منهن بمفرده أو الجمع بَيْنَهُ . وتفاصيل الأحوال من حال حِل الانتفاع أو حال عدة فذلك كله معلوم للمخاطبين ، وكذلك في الإماء .

والتعبير عن الإماء باسم { ما } الموصولة الغالب استعمالها لغير العاقل جرى على خلاف الغالب وهو استعمال كثير لا يحتَاج معه إلى تأويل .

وقوله : { فإنهم غير ملومين } تصريح بزائد على حكم مفهوم الاستثناء ، لأن الاستثناء لم يدل على أكثر من كون عدم الحفظ على الأزواج والمملوكات لا يمنع الفلاح فأريد زيادة بيان أنه أيضاً لا يوجب اللوم الشرعي ، فيدل هذا بالمفهوم على أن عدم الحفظ على من سواهن يوجب اللوم الشرعي ليحذره المؤمنون .

والفاء في قوله : { فإنهم غيرُ ملومين } تفريع للتصريح على مفهوم الاستثناء الذي هو في قوة الشرط فأشبه التفريع عليه جواب الشرط فقرىء بالفاء تحقيقاً للاشتراط .