اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ} (6)

قوله : { إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ } فيه أوجه :

أحدها : أن متعلق ب «حَافِظُونَ » على التضمين{[32164]} معنى ممسكين{[32165]} أو قاصرين وكلاهما يتعدى بعلى قال تعالى : { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ }{[32166]} [ الأحزاب : 37 ] .

الثاني : أنّ «عَلَى » بمعنى «مِنْ » أي : إلا من أزواجهم كما جاءت «مِنْ » بمعنى «عَلَى » في قوله : { وَنَصَرْنَاهُ{[32167]} مِنَ القوم }{[32168]} [ الأنبياء : 77 ] وإليه ذهب الفراء{[32169]} .

الثالث : أنْ يكون في موضع نصب على الحال ، قال الزمخشري : إلاَّ وَالِينَ على أزواجهم أو قوّامين عليهنّ من قولك : كان فلان على فلانة فمات عنها فخلف عليها فلان ، ونظيره : كان زياد على البصرة أي : والياً عليها ، ومنه قولهم : فلانة تحت{[32170]} فلان ، ومن ثمّ سميت المرأة فراشا {[32171]} .

الرابع : أنْ يتعلق بمحذوف يدل عليه «غَيْرُ مَلُومِينَ » قال الزمخشري : كأنه قيل : يلامون إلا على أزواجهم ، أي : يلامون على كل مباشرة إلا على ما أطلق لهم فإنهم غير ملومين{[32172]} عليه . قال شهاب الدين : وإنما لم يجعله متعلقاً ب «مَلُومِينَ » لوجهين :

أحدهما : أن ما بعد «إِنَّ » لا يعمل فيما قبلها .

الثاني : أن المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف{[32173]} .

الخامس : أن يجعل صلة{[32174]} لحافظين ، قال الزمخشري : من قولك : احفظ عليّ عنان فرسي ، على تضمينه معنى النفي كما ضمن قولهم : نشدتك بالله إلا فعلت معنى : ما طلبت منك إلا فعلك{[32175]} يعني أنّ صورته إثبات ومعناه نفي . قال أبو حيان بعدما ذكر ذلك عن الزمخشري : وهذه وجوه متكلفة ظاهر فيها العجمة{[32176]} . قال شهاب الدين : وأي عجمةٍ في ذلك على أنّ الشيخ{[32177]} جعلها متعلقة ب «حَافِظُونَ » على ما ذكره من التضمين ، وهذا لا يصح له إلا بأن يرتكب وجهاً منها وهو{[32178]} التأويل بالنفي كنشدتك{[32179]} الله ، لأنه استثناء مفرغ ولا يكون إلا بعد نفي أو ما في معنا {[32180]} .

السادس : قال أبو البقاء : في موضع نصب ب «حَافِظُونَ » على المعنى ؛ لأنّ{[32181]} المعنى صانوها عن كل{[32182]} فرج إلا عن فروج أزواجهم{[32183]} . قال شهاب الدين : وفيه سببان :

أحدهما تضمين «حَافِظُونَ » معنى صانوا ، وتضمين «على » معنى «عَنْ »{[32184]} .

قوله : { أَوْ مَا مَلَكَتْ } «مَا » بمعنى : اللاتي ، و «مَا » في محل الخفض يعني : أو على ما ملكت أيمانهم{[32185]} . وفي وقوعها على العقلاء وجهان :

أحدهما : أنها واقعة على الأنواع كقوله : { فانكحوا مَا طَابَ }{[32186]} [ النساء : 3 ] أي : أنواع{[32187]} .

والثاني : قال الزمخشري : أريد من{[32188]} جنس العقلاء ما يجري مجرى غير العقلاء وهم الإناث{[32189]} .

قال أبو حيان : وقوله : وهم . ليس بجيد ، لأنّ لفظ هُمْ مختص بالذكور فكان ينبغي أن يقول : «وَهُوَ » على لفظ «مَا » أو «هُنَّ » على معنى ( ما ){[32190]} .

وأجيب بأن الضمير عائد على العقلاء فقوله : «وَهُمْ » أي : العقلاء الإناث . وقال ابن الخطيب هلا قيل : مَنْ ملكت ؟ فالجواب : لأنه اجتمع في السُّرِّيَّةِ{[32191]} وصفان :

أحدهما : الأنوثة وهي مظنة نقصان العقل .

والآخر : كونها بحيث تباع وتشترى كسائر السلع .

فلهذين الوصفين فيها جعلت كأنها ليست من العقلاء {[32192]} .

فصل

هذه الآية في الرجال خاصة لأن المرأة لا يجوز لها أن تستمتع بفرج مملوكه {[32193]} .

فإن قيل : أليست الزوجة والمملوكة لا تحل له الاستمتاع بها في أحوال كحال{[32194]} الحيض ، وحال العدة ، والصيام ، والإحرام ، وفي الأمة حال تزويجها من الغير وحال عدتها ، وكذا الغلام داخل في ظاهر قوله : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } ؟ فالجواب من وجهين :

الأول : أنّ مذهب أبي حنيفة أنّ الاستثناء من النفي لا يكون إثباتاً ، لقوله عليه السلام{[32195]} :

«لا صلاة إلا بطهور ، ولا نِكَاحَ إِلاَّ بِوَليّ »{[32196]} فإن ذلك لا يقتضي حصول الصلاة بمجرد حصول الطهور ، وحصول النكاح بمجرد حصول الولي . وفائدة الاستثناء صرف الحكم لا صرف المحكوم به فقوله : { والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ } معناه أنه يجب حفظ الفرج عن الكل إلا في هاتين الصورتين فإني ما ذكرت حكمهما{[32197]} لا بالنفي ولا بالإثبات .

الثاني : ( أَنَّا إنْ ){[32198]} سلمنا أنّ الاستثناء من النفي إثبات فغايته أنه عام دخله التخصيص{[32199]} بالدليل فيبقى حجة فيما عداه{[32200]} .

وقوله : { فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } يعني : يحفظ فرجه إلا من امرأته وأمته فإنه لا يلام على ذلك إذا كان على وجه أذن الشرع فيه دون الإتيان في غير المأتى ، وفي حال الحيض والنفاس فإنه محظور ويلام{[32201]} على فعله{[32202]} .


[32164]:في ب: التضمن.
[32165]:في ب: ممتسكين.
[32166]:[الأحزاب: 37]. انظر البحر المحيط 6/396.
[32167]:في ب: ونصرناهم. وهو تحريف.
[32168]:من قوله تعالى: {ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين} [الأنبياء: 77].
[32169]:قال الفراء: قوله: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم} المعنى: إلا من أزواجهم اللاتي أحل الله لهم من الأربع لا تجاوز. معاني القرآن 2/231، وانظر أيضا البحر المحيط 6/396.
[32170]:في ب: فلان يجب. وهو تحريف.
[32171]:الكشاف 3/43 وقال أبو البقاء: (وقيل هو حال أي: حافظوها في كل حال إلا في هذه الحال). التبيان 2/95.
[32172]:الكشاف 3/43 وانظر التبيان 2/950.
[32173]:الدر المصون: 5/83، وانظر أيضا التبيان 2/950.
[32174]:في ب: صفة. وهو تحريف.
[32175]:الكشاف 3/43. وقال أبو حيان تعقيبا على ذلك: (يعني: أن يكون "حافظون" صورته صورة المثبت وهو منفي من حيث المعنى، أي: والذين هم لم يحفظوا فروجهم إلا على أزواجهم، فيكون استثناء مفرغا متعلقا فيه "على" بما قبله، كما مثل بنشدتك الذي صورته صورة مثبت ومعناه النفي، أي: ما طلبت منك) البحر المحيط 6/396.
[32176]:البحر المحيط 6/396.
[32177]:في ب: النسخ. وهو تحريف.
[32178]:في الأصل: فهو.
[32179]:في الأصل: فنشدتك.
[32180]:الدر المصون 5/83.
[32181]:في ب: إذ.
[32182]:في ب: محل. وهو تحريف.
[32183]:التبيان: 2/950.
[32184]:الدر المصون 5/83.
[32185]:معاني القرآن للفراء 2/231، والبغوي 6/7.
[32186]:من قوله تعالى: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} [النساء: 3].
[32187]:انظر البحر المحيط 6/396.
[32188]:من: سقط من الأصل.
[32189]:الكشاف 3/43. و"ما" من الأسماء الموصولة المشتركة، والأصل فيها أن تكون لغير العاقل نحو قوله تعالى {ما عندكم ينفد} [النحل: 96]. وتستعمل للعاقل في أمور منها: أن يختلط العاقل مع غير العاقل نحو {سبح لله ما في السماوات وما في الأرض} [الحشر: 1] [الصف: 1]. وفي أنواع من يعقل نحو {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} [النساء: 3]. وفي المبهم أمره كقولك وقد رأيت شبحا من بعد: انظر إلى ما ظهر. شرح التصريح 1/134 – 135، الهمع 1/91 – 92، شرح الأشموني 2/153 – 154.
[32190]:البحر المحيط 6/396.
[32191]:السرية: الجارية المتخذة للملك والجماع، فعلية منه على تغيير النسب وقيل: هي فعولة من السرو، وقلبت الواو الأخيرة ياء طلب الخفة، ثم أدغمت الواو فيها فصارت ياء مثلها، ثم حولت الضمة كسرة لمجاورة الياء، وقد تسررت وتسريت على تحويل التضعيف. اللسان (سرر).
[32192]:الفخر الرازي 23/81.
[32193]:في النسختين: مملوكتها. والصواب ما أثبته.
[32194]:كحال: سقط من ب.
[32195]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[32196]:قوله: "لا نكاح إلا بولي" أخرجه أبو داود (نكاح) 2/568، والترمذي (نكاح) 2/280، 287 وابن ماجة (نكاح) 1/605 والدارمي 2/137 والإمام أحمد 1/250، 4/394، 413، 6/260.
[32197]:في ب: حكمها. وهو تحريف.
[32198]:ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي يقتضيها السياق.
[32199]:في الأصل: التخصص.
[32200]:انظر الفخر الرازي 23/81 – 82.
[32201]:في ب: يلام.
[32202]:انظر البغوي 6/7.