قوله : { إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ } فيه أوجه :
أحدها : أن متعلق ب «حَافِظُونَ » على التضمين{[32164]} معنى ممسكين{[32165]} أو قاصرين وكلاهما يتعدى بعلى قال تعالى : { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ }{[32166]} [ الأحزاب : 37 ] .
الثاني : أنّ «عَلَى » بمعنى «مِنْ » أي : إلا من أزواجهم كما جاءت «مِنْ » بمعنى «عَلَى » في قوله : { وَنَصَرْنَاهُ{[32167]} مِنَ القوم }{[32168]} [ الأنبياء : 77 ] وإليه ذهب الفراء{[32169]} .
الثالث : أنْ يكون في موضع نصب على الحال ، قال الزمخشري : إلاَّ وَالِينَ على أزواجهم أو قوّامين عليهنّ من قولك : كان فلان على فلانة فمات عنها فخلف عليها فلان ، ونظيره : كان زياد على البصرة أي : والياً عليها ، ومنه قولهم : فلانة تحت{[32170]} فلان ، ومن ثمّ سميت المرأة فراشا {[32171]} .
الرابع : أنْ يتعلق بمحذوف يدل عليه «غَيْرُ مَلُومِينَ » قال الزمخشري : كأنه قيل : يلامون إلا على أزواجهم ، أي : يلامون على كل مباشرة إلا على ما أطلق لهم فإنهم غير ملومين{[32172]} عليه . قال شهاب الدين : وإنما لم يجعله متعلقاً ب «مَلُومِينَ » لوجهين :
أحدهما : أن ما بعد «إِنَّ » لا يعمل فيما قبلها .
الثاني : أن المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف{[32173]} .
الخامس : أن يجعل صلة{[32174]} لحافظين ، قال الزمخشري : من قولك : احفظ عليّ عنان فرسي ، على تضمينه معنى النفي كما ضمن قولهم : نشدتك بالله إلا فعلت معنى : ما طلبت منك إلا فعلك{[32175]} يعني أنّ صورته إثبات ومعناه نفي . قال أبو حيان بعدما ذكر ذلك عن الزمخشري : وهذه وجوه متكلفة ظاهر فيها العجمة{[32176]} . قال شهاب الدين : وأي عجمةٍ في ذلك على أنّ الشيخ{[32177]} جعلها متعلقة ب «حَافِظُونَ » على ما ذكره من التضمين ، وهذا لا يصح له إلا بأن يرتكب وجهاً منها وهو{[32178]} التأويل بالنفي كنشدتك{[32179]} الله ، لأنه استثناء مفرغ ولا يكون إلا بعد نفي أو ما في معنا {[32180]} .
السادس : قال أبو البقاء : في موضع نصب ب «حَافِظُونَ » على المعنى ؛ لأنّ{[32181]} المعنى صانوها عن كل{[32182]} فرج إلا عن فروج أزواجهم{[32183]} . قال شهاب الدين : وفيه سببان :
أحدهما تضمين «حَافِظُونَ » معنى صانوا ، وتضمين «على » معنى «عَنْ »{[32184]} .
قوله : { أَوْ مَا مَلَكَتْ } «مَا » بمعنى : اللاتي ، و «مَا » في محل الخفض يعني : أو على ما ملكت أيمانهم{[32185]} . وفي وقوعها على العقلاء وجهان :
أحدهما : أنها واقعة على الأنواع كقوله : { فانكحوا مَا طَابَ }{[32186]} [ النساء : 3 ] أي : أنواع{[32187]} .
والثاني : قال الزمخشري : أريد من{[32188]} جنس العقلاء ما يجري مجرى غير العقلاء وهم الإناث{[32189]} .
قال أبو حيان : وقوله : وهم . ليس بجيد ، لأنّ لفظ هُمْ مختص بالذكور فكان ينبغي أن يقول : «وَهُوَ » على لفظ «مَا » أو «هُنَّ » على معنى ( ما ){[32190]} .
وأجيب بأن الضمير عائد على العقلاء فقوله : «وَهُمْ » أي : العقلاء الإناث . وقال ابن الخطيب هلا قيل : مَنْ ملكت ؟ فالجواب : لأنه اجتمع في السُّرِّيَّةِ{[32191]} وصفان :
أحدهما : الأنوثة وهي مظنة نقصان العقل .
والآخر : كونها بحيث تباع وتشترى كسائر السلع .
فلهذين الوصفين فيها جعلت كأنها ليست من العقلاء {[32192]} .
هذه الآية في الرجال خاصة لأن المرأة لا يجوز لها أن تستمتع بفرج مملوكه {[32193]} .
فإن قيل : أليست الزوجة والمملوكة لا تحل له الاستمتاع بها في أحوال كحال{[32194]} الحيض ، وحال العدة ، والصيام ، والإحرام ، وفي الأمة حال تزويجها من الغير وحال عدتها ، وكذا الغلام داخل في ظاهر قوله : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } ؟ فالجواب من وجهين :
الأول : أنّ مذهب أبي حنيفة أنّ الاستثناء من النفي لا يكون إثباتاً ، لقوله عليه السلام{[32195]} :
«لا صلاة إلا بطهور ، ولا نِكَاحَ إِلاَّ بِوَليّ »{[32196]} فإن ذلك لا يقتضي حصول الصلاة بمجرد حصول الطهور ، وحصول النكاح بمجرد حصول الولي . وفائدة الاستثناء صرف الحكم لا صرف المحكوم به فقوله : { والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ } معناه أنه يجب حفظ الفرج عن الكل إلا في هاتين الصورتين فإني ما ذكرت حكمهما{[32197]} لا بالنفي ولا بالإثبات .
الثاني : ( أَنَّا إنْ ){[32198]} سلمنا أنّ الاستثناء من النفي إثبات فغايته أنه عام دخله التخصيص{[32199]} بالدليل فيبقى حجة فيما عداه{[32200]} .
وقوله : { فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } يعني : يحفظ فرجه إلا من امرأته وأمته فإنه لا يلام على ذلك إذا كان على وجه أذن الشرع فيه دون الإتيان في غير المأتى ، وفي حال الحيض والنفاس فإنه محظور ويلام{[32201]} على فعله{[32202]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.