الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ} (6)

قوله : { إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ } فيه أوجهٌ ، أحدُها : أنَّه متعلقٌ ب " حافِظون " على التضمين . يعني مُمْسِكين أو قاصِرين . وكلاهما يتعدَّى ب على . قال تعالى : { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } [ الأحزاب : 37 ] الثاني : أن " على " بمعنى " مِنْ " أي : إلاَّ مِنْ أزواجهم . ف " على " بمعنى " مِنْ " ، كما جاءَتْ " مِنْ " بمعنى " على " في قوله { وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ } [ الأنبياء : 77 ] ، وإليه ذَهَب الفراءُ . الثالث : أَنْ يكونَ في موضع نصبٍ على الحالِ . قال الزمخشري : أي إلاَّ والين على أزواجِهم أو/ قَوَّامين عليهنَّ . مِنْ قولِك : كان فلان على فلانةَ فمات عنها ، فخلف عليها فلانٌ . ونظيرُه : كان زيادٌ على البصرة أي : والياً عليها . ومنه قولُهم : " ثلاثةٌ تحت فلان ، ومِنْ ثَمَّ سُمِّيَتْ المرأةُ فِراشاً " . الرابع : أنه متعلقٌ بمحذوفٍ يَدُلُّ عليه " غيرُ مَلومين " . قال الزمخشري : " كأنه قيل : يُلامُون إلاَّ على أزواجِهم أي : يلامون على كلِّ مباشِر إلاَّ على ما أُطْلِقَ لهم فإنهم غيرُ ملومين عليه " . قلت : وإنما لم يَجْعَلْه متعلقاً ب " ملومين " لوجهين . أحدهما : أنَّ ما بعد " إنَّ " لا يَعْمل فيما قبلها .

والثاني : أنَّ المضافَ إليه لا يَعْمل فيما قبلَ المضاف ، ولفسادِ المعنى أيضاً .

الخامس : أَنْ يُجْعل صلةً لحافظين . قال الزمخشري : " مِنْ قولِك : احفَظْ عَلَيَّ عِنَانَ فرسي " ، على تضمينِه معنى النفي كما ضُمِّن قولُهم : " نَشَدْتُك باللهِ إلاَّ فَعَلْتَ " معنى : ما طَلَبْتُ منك إلاَّ فِعْلَك . يعني : أَنَّ صورتَه إثباتُ ومعناه نفيٌ .

قال الشيخ بعدما ذكَرْتُه عن الزمخشري : " وهذه وجوهٌ متكلَّفَةٌ ظاهرٌ فيها العُجْمَةُ " قلت : وأيُّ عُجْمَةٍ في ذلك ؟ على أنَّ الشيخَ جعلها متعلقةً ب " حافظون " على ما ذكره مِنَ التضمين . وهذا لا يَصِحُّ له إلاَّ بأَنْ يرتكبَ وجهاً منها : وهو التأويلُ بالنفيِ ك " نَشَدْتُك الله " لأنه استثناءٌ مفرغ ، ولا يكونُ إلاَّ بعد نفيٍ أو ما في معناه .

السادس : قال أبو البقاء : " في موضعِ نصبٍ ب حافِظُون " على المعنى ؛ لأنَّ المعنى : صانُوها عن كل فَرْجٍ إلاَّ عن فروجِ أزواجِهم " . قلت : وفيه شيئان ، أحدهما : تضمين " حافظون " معنى صانُوا ، وتضمينُ " على " معنى " عن " .

قوله : { أَوْ مَا مَلَكَتْ } " ما " بمعنى اللاتي . وفي وقوعها على العقلاءِ وجهان ، أحدهما : أنها واقعةٌ على الأنواعِ كقوله : { فَانكِحُواْ مَا طَابَ } أي : أنواعَ . والثاني : قال الزمَخشري : " أُريد من جنسِ العقلاءِ ما يَجْري مَجْرى غيرِ العقلاءِ وهم الإِناثُ " . قال الشيخ : " وقوله : " وهم " ليس بجيدٍ ؛ لأنَّ لفظَ " هم " مختصٌّ بالذكورِ ، فكان ينبغي أَنْ يقولَ : " وهو " على لفظ " ما " . أو " وهُنَّ " على معنى " ما " قلت : والجواب عنه : أن الضميرَ عائدٌ على العقلاءِ ، فقوله " وهم " أي : والعقلاءُ الإِناث .