تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَتۡ لَهُمۡ رُسُلُهُمۡ إِن نَّحۡنُ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأۡتِيَكُم بِسُلۡطَٰنٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (11)

قالت لهم رسلهم : { إِنْ نَحْنُ إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ } أي : صحيح أنا بشر مثلكم في البشرية { وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } أي : بالرسالة والنبوة { وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ } على وفق ما سألتم { إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ } أي : بعد سؤالنا إياه ، وإذنه لنا في ذلك ، { وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } أي : في جميع أمورهم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَتۡ لَهُمۡ رُسُلُهُمۡ إِن نَّحۡنُ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأۡتِيَكُم بِسُلۡطَٰنٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (11)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نّحْنُ إِلاّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ وَلََكِنّ اللّهَ يَمُنّ عَلَىَ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ } .

يقول تعالى ذكره : قال الأمم التي أتتهم الرسل لرسلهم إنْ نَحْنُ إلاّ بَشَرَ مِثْلُكُمْ صدقتم في قولكم إنْ أنْتُمْ إلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا فما نحن إلا بشر من بني آدم إنس مثلكم ، وَلكِنّ اللّهَ يَمُنّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ يقول : ولكن الله يتفضّل على من يشاء من خلقه ، فيهديه ويوفّقه للحقّ ، ويفضله على كثير من خلقه . وَما كانَ لَنا أنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ يقول : وما كان لنا أن نأتيكم بحجة وبرهان على ما ندعوكم إليه إلاّ بإذْنِ اللّهِ يقول : إلا بأمر الله لنا بذلك . وَعلى الله فَلْيَتَوَكّلِ المُؤْمِنُونَ يقول : وبالله فليثق به من آمن به وأطاعه فإنا به نثق وعليه نتوكل .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ قال : السلطان المبين : البرهان والبينة . وقوله : ما لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطانا قال : بينة وبرهانا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَتۡ لَهُمۡ رُسُلُهُمۡ إِن نَّحۡنُ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأۡتِيَكُم بِسُلۡطَٰنٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (11)

{ قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمنّ على من يشاء من عباده } سلموا مشاركتهم في الجنس وجعلوا الموجب لاختصاصهم بالنبوة فضل الله ومنه عليهم ، وفيه دليل على أن النبوة عطائية وأن ترجيح بعض الجائزات على بعض بمشيئة الله تعالى . { وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله } أي ليس إلينا الإتيان بالآيات ولا تستبد به استطاعتنا حتى نأتي بما اقترحتموه ، وإنما هو أمر يتعلق بمشيئة الله تعالى فيخص كل نبي بنوع من الآيات . { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } فلنتوكل عليه في الصبر على معاندتكم ومعاداتكم ، عمموا الأمر للإشعار بما يوجب التوكل وقصدوا به أنفسهم قصدا أوليا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَتۡ لَهُمۡ رُسُلُهُمۡ إِن نَّحۡنُ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأۡتِيَكُم بِسُلۡطَٰنٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (11)

المعنى : صدقتم في قولكم ، أي بشر مثلكم في الأشخاص والخلقة لكن تبايننا بفضل الله ومنه الذي يختص به من يشاء .

قال القاضي أبو محمد : ففارقوهم في المعنى بخلاف قوله تعالى : { كأنهم حمر }{[7025]} [ المدثر : 50 ] فإن ذلك في المعنى لا في الهيئة .

وقوله : { وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان } هذه العبارة إذا قالها الإنسان عن نفسه أو قيلت له فيما يقع تحت مقدوره - فمعناها النهي والحظر ، وإن كان ذلك فيما لا قدرة له عليه - فمعناها نفي ذلك الأمر جملة ، وكذا هي آيتنا ، وقال المهدوي لفظها لفظ الحظر ومعناها النفي .

واللام في قوله : { ليتوكل } لام الأمر . وقرأها الجمهور ساكنة وقرأها الحسن مكسورة ، وتحريكها بالكسر هو أصلها . وتسكينها طلب التخفيف ، ولكثرة استعمالها وللفرق بينها وبين لام كي التي ألزمت الحركة إجماعاً{[7026]} .


[7025]:الآية (50) من سورة (المدثر).
[7026]:في الآيتين أمران بالتوكل، الأمر الأول وهو قوله تعالى: {فليتوكل المؤمنون} لاستحداث التوكل، والثاني وهو قوله تعالى: {فليتوكل المتوكلون} للثبات على ما استحدثوه من توكلهم، وقوله تعالى: [ولنصبرن] جواب قسم، ويدل على سبق ما يجب فيه الصبر، بمعنى أنه لابد من حدوث شيء يحتاج إلى الصبر، وهو هنا: الأذى.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَتۡ لَهُمۡ رُسُلُهُمۡ إِن نَّحۡنُ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأۡتِيَكُم بِسُلۡطَٰنٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (11)

قول الرسل { إن نحن إلا بشر مثلكم } جواب بطريق القول بالموجَب في علم آداب البحث ، وهو تسليم الدليل مع بقاء النزاع ببيان محل الاستدلال غيرُ تام الإنتاج ، وفيه إطماع في الموافقة . ثم كرّ على استدلالهم المقصود بالإبطال بتبيين خطئهم .

ونظيره قوله تعالى : { يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون } [ سورة المنافقون : 8 ] .

وهذا النوع من القوادح في علم الجدل شديد الوقع على المناظر ، فليس قول الرسل { إن نحن إلا بشر مثلكم } تقريراً للدليل ولكنه تمهيد لبيان غلط المستدل في الاستنتاج من دليله . ومحل البيان هوالاستدراك في قوله : { ولكن الله يَمنّ على من يشاء من عباده } [ سورة إبراهيم : 11 ] . والمعنى : أن المماثلة في البشرية لا تقتضي المماثلة في زائد عليها فالبشر كلهم عباد الله والله يمُنّ على من يشاء من عباده بنِعَم لم يعطها غيرهم .

فالاستدراك رفع لما توهموه من كون المماثلة في البشرية مقتضى الاستواء في كل خصلة .

وأورد الشيخ محمّد بن عرفة في « التفسير » وجهاً للتفرقة بين هذه الآية إذ زيد فيها كلمة { لهم } في قوله : { قالت لهم رسلهم } [ سورة إبراهيم : 10 ] وبين الآية التي قبلها إذ قال فيها قالت رسلهم } بوجهين :

أحدهما : أن هذه المقالة خاصة بالمكذّبين من قومهم يقولونها لغيرهم إذ هو جواب عن كلام صدر منهم والمقالة الأولى يقولونها لهم ولغيرهم ، أي للمصدقين والمكذبين .

وثانيهما : أن وجود الله أمر نظري ، فكان كلام الرسل في شأنه خطاباً لعموم قومهم ، وأما بعْثة الرسل فهي أمر ضروري ظاهر لا يحتاج إلى نظر ، فكأنه قال : ما قَالوا هذا إلا للمكذبين لغباوتهم وجهلهم لا لغيرهم .

وأجاب الأبي أن { أفي الله شك } خطاب لمن عاند في أمر ضروري ، فكأنّ المجيب عن ذلك يجيب به من حيث الجملة ولا يُقبل بالجواب على المخاطب لمعاندته فيجيب وهو مُعْرض عنه بخلاف قولهم : { إن نحن إلا بشر مثلكم } فإنه تقرير لمقالتهم فهم يُقبلون عليهم بالجواب لأنهم لم يبطلوا كلامهم بالإطلاق بل يقررونه ويزيدون فيه اهـ .

والحاصل أن زيادة { لهم } تؤذن بالدلالة على توجه الرسل إلى قومهم بالجواب لما في الجواب عن كلامهم من الدقة المحتاجة إلى الاهتمام بالجواب بالإقبال عليهم إذ اللامُ الداخلة بعد فعل القول في نحو : أقول لك ، لام تعليل ، أي أقول قولي لأجلك .

ثم عطفوا على ذلك تبيين أن ما سأله القوم من الإتيان بسلطان مبين ليس ذلك إليهم ولكنه بمشيئة الله وليس الله بمكرَه على إجابة من يتحداه .

وجملة { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } أمر لمَن آمن من قومهم بالتوكل على الله ، وقصدوا به أنفسهم قصداً أوليّاً لأنهم أول المؤمنين بقرينة قولهم : { وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا } إلى آخره .

ولما كان حصول إذن الله تعالى بتأييد الرسل بالحجة المسؤولة غيرَ معلوم الميقات ولا متعيّنَ الوقوع وكانت مدة ترقب ذلك مظنة لتكذيب الذين كفروا رسلَهم تكذيباً قاطعاً وتَوَقَعَ الرسلُ أذاه قومهم إياهم شأن القاطع بكذب من زَعم أنه مرسل من الله ، ولأنهم قد بدأوهم بالأذى كما دل عليه قولهم : { وَلنصبرنّ على ما آذيتمونا } . أظهر الرسل لقومهم أنهم غير غافلين عن ذلك وأنهم يتلقون ما عسى أن يواجهَهُم به المكذّبون من أذى بتوكّلهم على الله هم ومن آمن معهم ؛ فابتدأوا بأن أمروا المؤمنين بالتوكل تذكيراً لهم لئلا يتعرّض إيمانهم إلى زعزعة الشك حرصاً على ثبات المؤمنين ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه : « أفي شك أنت يابنَ الخطّاب » . وفي ذلك الأمر إيذان بأنهم لا يعبأون بما يضمره لهم الكافرون من الأذى ، كقول السحرة لفرعون حين آمنوا { لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون } [ سورة الشعراء : 50 ] .

وتقديم المجرور في قوله : وعلى الله فليتوكل المؤمنون } مؤذن بالحصر وأنهم لا يرجون نصراً من غير الله تعالى لضعفهم وقلة ناصرهم . وفيه إيماء إلى أنهم واثقون بنصر الله .

والجملة معطوفة بالواو عطف الإنشاء على الخبر .

والفاء في قوله : { فليتوكل المؤمنون } رابطة لجملة ( ليتوكل المؤمنون ) بما أفادهُ تقديم المجرور من معنى الشرط الذي يدل عليه المقام . والتقدير : إن عجبتم من قلة اكتراثنا بتكذيبكم أيها الكافرون ، وإن خشيتم هؤلاء المُكذّبين أيها المؤمنون فليتوكل المؤمنون على الله فإنهم لن يضيرهم عدوّهم . وهذا كقوله تعالى : { وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين } كما تقدم في سورة العقود ( 23 ) .

والتوكّل : الاعتماد وتفويض التدبير إلى الغير ثقة بأنه أعلم بما يصلح ، فالتوكل على الله تحقق أنه أعلم بما ينفع أولياءَه من خير الدنيا والآخرة . وقد تقدم الكلام على التوكّل عند قوله تعالى : { فإذا عزمت فتوكل على الله } في سورة آل عمران ( 59 ) .