اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَتۡ لَهُمۡ رُسُلُهُمۡ إِن نَّحۡنُ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأۡتِيَكُم بِسُلۡطَٰنٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (11)

قوله تعالى : { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } الآية لما حكمة عن الكفَّار طعنهم في النُّبوة حكى عن الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- جوابهم فقالوا : { إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } سلموا أنَّ الأمر كذلك لكنهم بيَّنوا أن التماثل في البشرية لا يمنع من اختصاص بعض البشرِ بمنصب النبوة ؛ لأنَّ هذا المنصب يمُنُّ الله به على من يشاء من عباده ، وإذا كان كذلك سقطت شبهتكم .

وأمَّا الجواب عن شبهة التقليد وهي قولهم : إطباقُ السلف لذلك الدين يدل على كونه حقًّا ، فجوابه عين الجواب المذكور ، وهو أنَّه لا يبعدُ أن يظهر الرَّجل الواحد ما لم يظهر للخلق الكثير ؛ لأن التمييز بين الحق ، والباطل ، والصدق ، والكذب عطية من الله وفضل منه ؛ فلا يبعد أن يخص عبده بهذه العطية ، ويحرم الجمع العظيم منها .

وأما الجواب عن الشبهة الثالثة وهي قولهم : إنا لا نرضى بهذه المعجزات التي أتيتم بها ، وإنما نريد معجزات قاهرة أقوى منها ، فأجابوا عنها بقولهم : { وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله } أي : أنَّ المعجزة التي أتينا بها حجة قاطعة قوية ودليل تام ، وأمَّا الأشياء التي طلبتموها ، فأمور زائدة والحكم فيه لله -تعالى- فإن أظهرها فله الفضل ، وإن لم يظهرها فله العدل ، ولا يحكم بعد ظهور قدر الكفاية .

قوله : { وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُمْ } يجوز أن يكون خبر : " كَانَ " " لَنَا " ، و : " إنْ نَأتيَكُمْ " اسمها ، أي : وما كان لنا إتيانكم بسورة ، و{ إِلاَّ بِإِذْنِ الله } حالٌ ، ويجوز أن يكون الخبر { إِلاَّ بِإِذْنِ الله } ، و " لَنا " تبين .

والظاهر أنَّ الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- لما أجابوا عن شبهاتهم بهذا الجواب أخذ القوم التَّخويف ، والوعيد فعند ذلك قال الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- لا نخاف من تخويفكم بعد أن توكلنا على الله : { وَعلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون } .