تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَعۡرِفُونَ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (83)

{ يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا } ، أي : يعرفون أن الله تعالى هو المسدي إليهم ذلك ، وهو المتفضل به عليهم ، ومع هذا ينكرون ذلك ، ويعبدون معه غيره ، ويسندون النصر والرزق{[16630]} إلى غيره ، { وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ } :

- كما قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا صفوان ، حدثنا الوليد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن مجاهد ؛ أن أعرابيًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله ، فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا } ، قال الأعرابي : نعم . قال : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ } ، قال الأعرابي : نعم . ثم قرأ عليه ، كل ذلك يقول الأعرابي : نعم ، حتى بلغ : { كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } ، فولى الأعرابي ، فأنزل الله : { يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ }{[16631]} .


[16630]:في ف: "الرزق والنصر".
[16631]:أورده السيوطي في الدر المنثور (5/ 155) وعزاه لابن أبي حاتم وهو مرسل.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَعۡرِفُونَ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (83)

وأما قوله : { يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنْكِرُونَها } ، فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنّى بالنعمة التي أخبر الله تعالى ذكره عن هؤلاء المشركين أنهم ينكرونها مع معرفتهم بها ، فقال بعضهم : هو النبيّ صلى الله عليه وسلم عرفوا نبوّته ثم جحدوها وكذبوه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن السديّ : { يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنْكِرُونَها } ، قال : محمد صلى الله عليه وسلم .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن السديّ ، مثله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك أنهم يعرفون أن ما عدّد الله تعالى ذكره في هذه السورة من النعم من عند الله ، وأن الله هو المنعم بذلك عليهم ، ولكنهم يُنكرون ذلك ، فيزعمون أنهم ورثوه عن آبائهم . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثنا المثنى ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنْكِرُونَها } ، قال : هي المساكن والأنعام وما يرزقون منها ، والسرابيل من الحديد والثياب ، تعرف هذا كفار قريش ، ثم تنكره بأن تقول : هذا كان لآبائنا ، فروّحونا إياه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه ، إلا أنه قال : فورّثونا إياها . وزاد في الحديث عن ابن جريج ، قال ابن جريج : قال عبد الله بن كثير : يعلمون أن الله خلقهم وأعطاهم ما أعطاهم ، فهو معرفتهم نعمته ثم إنكارهم إياها كفرهم بعد .

وقال آخرون في ذلك ، ما :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا معاوية ، عن عمرو ، عن أبي إسحاق الفزاري ، عن ليث ، عن عون بن عبد الله بن عتبة : { يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنْكِرُونَها } ، قال : إنكارهم إياها ، أن يقول الرجل : لولا فلان ما كان كذا وكذا ، ولولا فلان ما أصبت كذا وكذا .

وقال آخرون : معنى ذلك أن الكفار إذا قيل لهم : من رزقكم ؟ أقرّوا بأن الله هو الذي رزقهم ، ثم يُنكرون ذلك بقولهم : رزقنا ذلك بشفاعة آلهتنا .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب وأشبهها بتأويل الآية ، قول من قال : عُني بالنعمة التي ذكرها الله في قوله : { يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ } ، النعمة عليهم بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم إليهم داعيا إلى ما بعثه بدعائهم إليه . وذلك أن هذه الآية بين آيتين كلتاهما خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعما بعث به ، فأولى ما بينهما أن يكون في معنى ما قبله وما بعده ، إذ لم يكن معنى يدلّ على انصرافه عما قبله وعما بعده فالذي قبل هذه الآية قوله : { فإنْ تَوَلّوْا فإنّمَا عَلَيْكَ البَلاغُ المُبِينُ يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنْكِرُونَها } وما بعده : { وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلّ أُمّةٍ شَهِيدا } ، وهو رسولها . فإذا كان ذلك كذلك ، فمعنى الآية : يعرف هؤلاء المشركون بالله نعمة الله عليهم يا محمد بك ، ثم ينكرونك ويجحدون نبوّتك . { وأكْثَرُهُمُ الكافِرُونَ } يقول : وأكثر قومك الجاحدون نبوّتك ، لا المقرّون بها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَعۡرِفُونَ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (83)

{ يعرفون نعمة الله } أي يعرف المشركون نعمة الله التي عددها عليهم وغيرها حيث يعترفون بها وبأنها من الله تعالى . { ثم ينكرونها } بعبادتهم غير المنعم بها وقولهم إنها بشفاعة آلهتنا ، أو بسبب كذا أو بإعراضهم عن أداء حقوقها . وقيل نعمة الله نبوة محمد صلى الله عليه وسلم عرفوها بالمعجزات ثم أنكروها عنادا ومعنى ثم استبعاد الإنكار بعد المعرفة . { وأكثرهم الكافرون } الجاحدون عنادا ، وذكر الأكثر إما لأن بعضهم لم يعرف الحق لنقصان العقل أو التفريط في النظر ، أو لم تقم عليه الحجة لأنه لم يبلغ حد التكليف وإما لأنه يقام مقام الكل كما في قوله : { بل أكثرهم لا يعلمون } .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَعۡرِفُونَ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (83)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{يعرفون نعمت الله}، التي ذكرهم في هؤلاء الآيات من قوله عز وجل: {جعل لكم من بيوتكم سكنا...}، إلى أن قال: {لعلكم تسلمون}، فتعرفون هذه النعم أنها كلها من الله عز وجل، وذلك أن كفار مكة كانوا إذا سئلوا: من أعطاكم هذا الخير؟ قالوا: الله أعطانا، فإن دعوا إلى التوحيد للذي أعطاهم، قالوا: إنما ورثناه عن آبائنا، فذلك قوله عز وجل: {ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون}، بتوحيد رب هذه النعم تعالى ذكره.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وأما قوله: {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنْكِرُونَها}، فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنّي بالنعمة التي أخبر الله تعالى ذكره عن هؤلاء المشركين أنهم ينكرونها مع معرفتهم بها؛ فقال بعضهم: هو النبيّ صلى الله عليه وسلم عرفوا نبوّته ثم جحدوها وكذبوه...

وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهم يعرفون أن ما عدّد الله تعالى ذكره في هذه السورة من النعم من عند الله، وأن الله هو المنعم بذلك عليهم، ولكنهم يُنكرون ذلك، فيزعمون أنهم ورثوه عن آبائهم...

وقال آخرون: معنى ذلك أن الكفار إذا قيل لهم: من رزقكم؟ أقرّوا بأن الله هو الذي رزقهم، ثم يُنكرون ذلك بقولهم: رزقنا ذلك بشفاعة آلهتنا.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب وأشبهها بتأويل الآية، قول من قال: عُني بالنعمة التي ذكرها الله في قوله: {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ}، النعمة عليهم بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم إليهم داعيا إلى ما بعثه بدعائهم إليه. وذلك أن هذه الآية بين آيتين كلتاهما خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعما بعث به، فأولى ما بينهما أن يكون في معنى ما قبله وما بعده، إذ لم يكن معنى يدلّ على انصرافه عما قبله وعما بعده فالذي قبل هذه الآية قوله: {فإنْ تَوَلّوْا فإنّمَا عَلَيْكَ البَلاغُ المُبِينُ يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنْكِرُونَها} وما بعده: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلّ أُمّةٍ شَهِيدا}، وهو رسولها. فإذا كان ذلك كذلك، فمعنى الآية: يعرف هؤلاء المشركون بالله نعمة الله عليهم يامحمد بك، ثم ينكرونك ويجحدون نبوّتك. {وأكْثَرُهُمُ الكافِرُونَ} يقول: وأكثر قومك الجاحدون نبوّتك، لا المقرّون بها.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{ينكرونها} بعبادتهم الأصنام، وصرفهم شكرها إلى غيره كقوله: {ولئن سألتم من خلقهم ليقولن الله} (الزخرف: 87)، ما يعرفون أن الله هو خالقهم، وأن ما لهم كله من عند الله، يعبدون الأصنام، فتكون عبادتهم دون الله كفران نعمة الله...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ثم قرعهم ووبخهم بأنهم يعرفون نعمة الله في هذه الأشياء المذكورة، ويقرون أنها من عنده ثم يكفرون به تعالى، وذلك فعل المنكر للنعمة الجاحد لها، هذا قول مجاهد، فسماهم منكرين للنعمة تجوزاً، إذ كانت لهم أفعال المنكر من الكفر برب النعمة، وتشريكهم في النعمة الأوثان على وجه ما، وهو ما كانوا يعتقدون للأوثان من الأفعال من الضر والنفع...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها، أي لا يستعملونها في طلب رضوان الله تعالى...

فإن قيل: ما معنى قوله {وأكثرهم الكافرون} مع أنه كان كلهم كافرين؟

قلنا: الجواب من وجوه:

الأول: إنما قال: {وأكثرهم} لأنه كان فيهم من لم تقم عليه الحجة ممن لم يبلغ حد التكليف أو كان ناقص العقل معتوها، فأراد بالأكثر البالغين والأصحاء.

الثاني: أن يكون المراد بالكافر الجاحد المعاند، وحينئذ نقول إنما قال: {وأكثرهم} لأنه كان فهيم من لم يكن معاندا بل كان جاهلا بصدق الرسول عليه الصلاة والسلام وما ظهر له كونه نبيا من عند الله.

الثالث: أنه ذكر الأكثر والمراد الجميع، لأن أكثر الشيء يقوم مقام الكل، فذكر الأكثر كذكر الجميع، وهذا كقوله: {الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون} والله أعلم.

أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :

{ثم ينكرونها} بعبادتهم غير المنعم بها... أو بإعراضهم عن أداء حقوقها...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

فكأنه قيل: فهل كان إعراضهم عن جهل أو عناد؟ فقيل فيهم وفيهم: {يعرفون}، أي: كلهم، {نعمت الله}، أي: الملك الأعظم، التي تقدم عد بعضها في هذه السورة وغيرها، {ثم ينكرونها} بعبادتهم غير المنعم بها، أو بتكذيب الآتي بالتنبيه عليها، بعضهم لضعف معرفته، وبعضهم عناداً، وكان بعضهم يقول: هي من الله ولكن بشفاعة آلهتنا، {وأكثرهم}، أي: المدعوين بالنسبة إلى جميع أهل الأرض الذين أدركتهم دعوته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، {الكافرون}، أي: المعاندون الراسخون في الكفر.

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

ثم بين أن سبب هذا التولي والإعراض لم يكن الجهل بهذه النعم بل كان العتوّ والاستكبار والإنكار لها...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

استئناف بياني لأن تولّيهم عن الإسلام مع وفرة أسباب اتّباعه يثير سؤالاً في نفس السامع: كيف خفيت عليهم دلائل الإسلام، فيجاب بأنهم عرفوا نعمة الله ولكنهم أعرضوا عنها إنكاراً ومكابرة. ويجوز أن تجعلها حالاً من ضمير {تولوا} [سورة النحل: 82]...

وهذه الوجوه كلها تقتضي عدم عطفها على ما قبلها. والمعنى: هم يعلمون نعمة الله المعدودة عليهم فإنهم منتفعون بها، ومع تحقّقهم أنها نعمة من الله ينكرونها، أي ينكرون شكرها... و {ثمّ} للتراخي الرتبي، كما هو شأنها في عطف الجمل، فهو عطف على جملة {يعرفون نعمت الله}، وكأنه قيل: وينكرونها، لأن {ثمّ} لما كانت للعطف اقتضت التّشريك في الحكم، ولما كانت للتراخي الرتبي زال عنها معنى المهلة الزمانية الموضوعة هي له فبقي لها معنى التّشريك وصارت المهلة مهلة رتبية لأن إنكار نعمة الله أمر غريب...

وإنكار النّعمة يستوي فيه جميع المشركين أيّمتهم ودهماؤهم، ففريق من المشركين وهم أيّمة الكفر شأنهم التعقّل والتأمّل فإنهم عرفوا النّعمة بإقرارهم بالمنعِم وبما سمعوا من دلائل القرآن حتى تردّدوا وشكّوا في دين الشّرك ثم ركبوا رؤوسهم وصمّموا على الشّرك. ولهذا عبّر عن ذلك بالإنكار المقابل للإقرار...

{وأكثرهم الكافرون} فظاهر كلمة « أكثر» وكلمة {الكافرون} أن الذين وصفوا بأنهم الكافرون هم غالب المشركين لا جميعهم، فيحمل المراد بالغالب على دهماء المشركين. فإن معظمهم بسطاء العقول بعداء عن النّظر فهم لا يشعرون بنعمة الله، فإن نعمة الله تقتضي إفراده بالعبادة. فكان إشراكهم راسخاً، بخلاف عقلائهم وأهل النظر فإن لهم تردّداً في نفوسهم ولكن يحملهم على الكفر حبّ السيادة في قومهم...

وهم الذين قال الله تعالى فيهم في الآية الأخرى {فإنهم لا يكذّبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} [سورة الأنعام: 33]...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

إن للمعرفة مراتب ثلاث، تبتدئ بتصور الأمور والوقائع، ومنها النعيم فيتصور أن الله رازقه وخالقه، فإذا تجاوز هذه المرتبة، انتقل من التصور إلى الاعتقاد بالصحة، فإذا اجتاز هذه المرحلة انتقل إلى المرحلة العليا وهي الإيمان، والإيمان مراتب، مرتبة التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل، ثم مرتبة الإذعان، والخضوع لما اعتقد ثم ينتقل إلى أعلى المراتب، وهي مرتبة العمل...

وقوله تعالى: {يعرفون نعمت الله} يبدو أنها مرتبة المعرفة الأولى، التصوير، ثم التصديق من غير إيمان وإذعان؛ ولذا ينكرونها، أي أنهم لا يذعنون للاعتقاد بها، وتبدو في أعمالهم... وثم في قوله تعالى: {ثم ينكرونها} لبعد ما بين مرتبة المعرفة والإنكار العملي... ولقد قرر سبحانه أن أكثر الكافرين هم من هذا الصنف الذي ينكر بعمله ما عرفه بتصوره وصدقه بواقعه؛ ولذا قال: {وأكثرهم الكافرون} الضمير في (هم) يعود إلى الذين {يعفرون نعمت الله ثم ينكرونها} وهم بعض أهل الجحود وقوله تعالى: {وأكثرهم الكافرون} فيه تعريف الطرفين، وهو يفيد القصر، أي أن أكثر هؤلاء لا يكونون إلا كافرين، فإن الكفر يكون بإنكار الحق، وعدم الإقرار به كما في قوله تعالى: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم} [النمل 14]...