البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَعۡرِفُونَ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (83)

ثم أخبر عنهم على سبيل التقريع والتوبيخ بأنهم يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها ، وعرفانهم للنعم التي عدت عليهم حيث يعترفون بها ، وأنها منه تعالى ، وإنكارهم لها حيث يعبدون غير الله ، وجعل ذلك إنكاراً على سبيل المجاز ، إذ لم يرتبوا على معرفة نعمه تعالى مقتضاها من عبادته ، وإفراده بالعبادة دون ما نسبوا إليه من الشركاء ، قال قريباً من هذا المعنى مجاهد .

وقال السدّي : النعمة هنا محمد صلى الله عليه وسلم ، والمعنى : يعرفون بمعجزاته وآيات نبوته ، وينكرون ذلك بالتكذيب ، ورجحه الطبري .

وعن مجاهد أيضاً : إنكارهم قولهم ورثناها من آبائنا .

وعن ابن عون : إضافتها إلى الأسباب لا إلى مسببها ، وحكى صاحب الغنيان : يعرفونها في الشدة ، ثم ينكرونها في الرخاء .

وقيل : إنكارهم هي بشفاعة آلهتهم عند الله .

وقيل : يعرفونها بقلوبهم ثم ينكرونها بألسنتهم .

والظاهر أنّ المراد مِن وأكثرهم موضوعه الأصلي .

وقال الحسن : وكلهم : ما من أحد يقوم بواجب حق الشكر ، فجعله من كفران النعمة .

وظاهر أن الكفر هنا هو مقابل الإيمان .

وقيل : أكثر أهل مكة ، لأنّ منهم من أبى .

وقيل : معنى الكافرون الجاحدون المعاندون ، لأنّ فيهم من كان جاهلاً لم يعرف فيعاند .

وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : ما معنى ثم ؟ ( قلت ) : الدلالة على أنّ إنكارهم مستبعد بعد حصول المعرفة ، لأنّ حق من عرف النعمة أنْ يعترف لا أنْ ينكر .