فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَعۡرِفُونَ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (83)

{ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ( 83 ) }

ثم استأنف لبيان توليتهم فقال : { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ } ، التي عددها في هذه السورة ، ويعترفون بأنها من عند الله سبحانه . { ثُمَّ يُنكِرُونَهَا } ، بما يقع عنهم من أفعالهم القبيحة من عبادة غير الله ، وبأقوالهم الباطلة حيث يقولون : هي من الله ، ولكنها بشفاعة الأصنام ، وحيث يقولون أنهم ورثوا تلك النعم من آبائهم ، وأيضا لكونهم لا يستعملون هذه النعم في مرضاة الرب سبحانه وفي وجوه الخير التي أمرهم الله بصرفها فيها ، وقيل : نعمة الله : نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، كانوا يعرفونه صلى الله عليه وآله وسلم ثم ينكرون نبوته .

وقيل : هي الإسلام . وجيء بثم للدلالة على أن إنكارهم أمر مستبعد بعد حصول المعرفة ؛ لأن من عرف النعمة حقه أن يعترف لا أن ينكر . { وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ } بالله ، أو الجاحدون لنعم الله .

وعبر هنا بالأكثر عن الكل ؛ لأنه قد يذكر الأكثر ويراد به الجميع ، وإليه أشار في التقرير ، أو أراد بالأكثر العقلاء دون الأطفال ونحوهم ، أو أراد كفر الجحود ولم يكن كفر كلهم كذلك ، بل كان كفر بعضهم كفر جهل ، وكفر بعضهم بسبب تكذيب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع اعترافهم بالله وعدم الجحد لربوبيته . ومثل هذه الآية قوله تعالى : { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين } .